responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 442

و منها مترادفة و مع ترادفها فلا بد أن يفهم من كل واحد معنى لا يكون في الآخر فعلمنا ما سمي به نفسه و اقتصرنا عليها فأوجد الدار الدنيا و أسكن فيها الحيوان و جعل الإنسان الكامل فيها إماما و خليفة أعطاه علم الأسماء لما تدل عليه من المعاني و سخر لهذا الإنسان و بنيه و ما تناسل منه جميع ما في السموات و ما في الأرض و خلق خلقا إن قلت فيه موجود صدقت و إن قلت فيه معدوم صدقت و إن قلت فيه لا موجود و لا معدوم صدقت و هو الخيال و له حالان حال اتصال و هذا الحال له بوجود الإنسان و بعض الحيوان و حال انفصال و هو ما يتعلق به الإدراك الظاهر منحازا عنه في نفس الأمر كجبريل في صورة دحية و من ظهر من عالم الستر من الجنة من ملك و غيره و خلق الجنة و المنزل الذي يكون يوم القيامة نارا فخلق من النار ما خلق و بقي منها ما بقي في القوة و جعل ذلك فيما جعل اللّٰه في هذا الوجود الطبيعي من الاستحالات فالذي هو اليوم دار دنيا يكون غدا في القيامة دار جهنم و ذلك في علم اللّٰه و قد بينا ذلك في الصورة المثالية المتقدمة في هذا الباب على التقريب

«الفصل الثامن»في الكثيب و مراتب الخلق فيه

اعلم أن الكثيب هو مسك أبيض في جنة عدن و جنة عدن هي قصبة الجنة و قلعتها و حضرة الملك و خواصه لا تدخلها العامة إلا بحكم الزيارة و جعل في هذا الكثيب منابر و أسرة و كراسي و مراتب لأن أهل الكثيب أربع طوائف مؤمنون و أولياء و أنبياء و رسل و كل صنف ممن ذكرنا أشخاصه يفضل بعضهم بعضا قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ و قال وَ لَقَدْ فَضَّلْنٰا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلىٰ بَعْضٍ فتفضل منازلهم بتفاضلهم و إن اشتركوا في الدار و من هذا الباب قوله وَ رَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ يعني الخلق فدخل فيه جميع بنى آدم دنيا و آخرة فإذا أخذ الناس منازلهم في الجنة استدعاهم الحق إلى رؤيته فيسارعون على قدر مراكبهم و مشيهم هنا في طاعة ربهم فمنهم البطيء و منهم السريع و منهم المتوسط و يجتمعون في الكثيب و كل شخص يعرف مرتبته علما ضروريا يجري إليها و لا ينزل إلا فيها كما يجري الطفل إلى الثدي و الحديد إلى المغناطيس لو رام أن ينزل في غير مرتبته لما قدر و لو رام أن يتعشق بغير منزلته ما استطاع بل يرى في منزلته أنه قد بلغ منتهى أمله و قصده فهو يتعشق بما هو فيه من النعيم تعشقا طبيعيا ذاتيا لا يقوم بنفسه ما هو عنده أحسن من حاله و لو لا ذلك لكانت دار ألم و تنغيص و لم تكن جنة و لا دار نعيم غير إن الأعلى له نعيم بما هو فيه في منزلته و عنده نعيم الأدنى و أدنى الناس منزلة على أنه ليس ثم من دنى من لا نعيم له إلا بمنزلة خاصة و أعلاهم من لا أعلى منه له نعيم بالكل فكل شخص مقصور عليه نعيمه فما أعجب هذا الحكم ففي الرؤية الأولى يعظم الحجاب على أهل النار و التنغيص و العذاب بحيث إنهم لا يكون عندهم عذاب أشد عذابا من ذلك فإن الرؤية الأولى تكون قبل انقضاء أجل العذاب و عموم الرحمة الشاملة و ذلك ليعرفوا ذوقا عذاب الحجاب و في الرؤية الثانية إلى ما يكون بعد ذلك تعم الرحمة و لهم أعني لأهل الجحيم رؤية من خوخات أبواب النار على قدر ما اتصفوا به في الدنيا من مكارم الأخلاق فإذا نزل الناس في الكثيب للرؤية و تجلى الحق تعالى تجليا عاما على صور الاعتقادات في ذلك التجلي الواحد فهو واحد من حيث هو تجل و هو كثير من حيث اختلاف الصور فإذا رأوه انصبغوا عن آخرهم بنور ذلك التجلي و ظهر كل واحد منهم بنور صورة ما شاهده فمن علمه في كل معتقد فله نور كل معتقد و من علمه في اعتقاد خاص معين لم يكن له سوى نور ذلك المعتقد المعين و من اعتقد وجودا لا حكم له فيه بتنزيه و لا تشبيه بل كان اعتقاده أنه على ما هو عليه فلم ينزه و لم يشبه و آمن بما جاء من عنده تعالى على علمه فيه سبحانه فله نور الاختصاص لا يعلم إلا في ذلك الوقت فإنه في علم اللّٰه فلا يدري هل هو أعلى ممن عمم الاعتقادات كلها علمه أو مساو له و أما دونه فلا فإذا أراد اللّٰه رجوعهم إلى مشاهدة نعيمهم بتلك الرؤية في جناتهم قال لملائكة وزعة الكثيب ردوهم إلى قصورهم فيرجعون بصورة ما رأوا و يجدون منازلهم و أهليهم منصبغين بتلك الصورة فيتلذذون بها فإنهم في وقت المشاهدة كانوا في حال فناء عنهم فلم تقع لهم لذة في زمان رؤيتهم بل اللذة عند أول التجلي حكم سلطانها عليهم فأفنتهم عنها و عن أنفسهم فهم في اللذة في حال فناء لعظيم سلطانها و إذا أبصروا تلك الصورة في منازلهم و أهليهم استمرت لهم اللذة و تنعموا بتلك المشاهدة فتنعموا في هذا الموطن بعين ما أفناهم في الكثيب و يزيدون في ذلك التجلي و في تلك

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 442
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست