responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 380

الوجود و العدم و اعلم أنه ما أتى على أحد إلا من الغفلة عما يجب عليه من الحقوق التي أوجب الشرع عليه أداءها فمن أحضرها نصب عينيه و سعى جهده في أدائها ثم حالت بينه و بين أدائها موانع تقيم له العذر عند اللّٰه فقد وفى الأمر حقه و وفى اللّٰه بذمته و لا حرج عليه و لا جناح و لا خاطبه الحق بوجوب حق عليه مع ذلك المانع و الموانع على نوعين نوع يكون مع الحضور و نوع يكون مع عدم الحضور و هو الغفلة فأما النوع الذي يكون مع الحضور فينقسم قسمين قسم يرجع إلى النظر في ذلك الواجب هل هو واجب عليه أم لا فيجتهد جهد وسعه الذي كلفه اللّٰه في طلب الدليل على وجوب ذلك الأمر فلا يجده و هو من أهل الاجتهاد فلا يجب عليه إلا ما يقتضيه دليله و هو واجب في نفس الأمر عند اللّٰه و لكن أخطأ هذا المجتهد فهو مأجور عند اللّٰه بنص اللّٰه و نص رسوله ص و ما كلفه اللّٰه إلا ذلك و قد أدى ما كلفه اللّٰه من الاجتهاد في طلب الدليل فلم يجده و ليس للمجتهد أن يقلد غيره في حكم لا يعرف دليله و لكن من اجتهاده إذا لم يعثر على دليل أن يسأل في ذلك الأمر أهل الاجتهاد الذين حكموا عليه بالوجوب و صورة سؤاله أن يقول لهم ما دليلكم على ما أوجبتموه في هذا الأمر و لا يقلدهم في الحكم فإذا عرفوه بدليلهم فإن كان ذلك الدليل مما قد حصل له في اجتهاده فقدح فيه فلا يجب عليه النظر فيه و لا الحكم به فإنه قد تركه وراءه و إن كان لم يعثر عليه فيما عثر من نظره فله عند ذلك النظر في دليل ذلك المجتهد المسئول هل هو دليل في نظر هذا السائل المجتهد أو ليس بدليل فإن أداه اجتهاده في إن ذلك هو دليل كما هو عند من اتخذه دليلا تعين عليه العمل به و إن قدح فيه بوجه لم يعثر ذلك الآخر عليه فإنه ليس له الأخذ به و تقليد ذلك المسئول في الحكم الذي حكم هذا الدليل عليه عند ذلك المجتهد فهذا مانع و القسم الآخر أن يعلم وجوب ذلك عليه من فعل أو ترك ثم يحول بينه و بين ذلك إن كان تركا اضطرار و إن كان أمرا فعدم استطاعة و ما ثم مانع آخر هذا مع الحضور و النوع الآخر من الموانع الغفلة و هي على نوعين غفلة عن كذا و غفلة في كذا فالغفلة عن كذا ترك ذلك بالكلية و هو غير مؤاخذ بذلك عند اللّٰه فإن اللّٰه قد رفع عن عباده رحمة بهم الخطاء و هو حال المجتهد الذي ذكرناه آنفا و النسيان و هو الغفلة و ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به فإن الكلام عمل فيؤاخذ به من حيث ما هو متلفظ به فإن كان ليس لذلك المتلفظ به عمل إلا عين التلفظ كالغيبة و النميمة فإنه يؤاخذ بذلك بحسب ما يؤدي إليه ذلك التلفظ و إن كان تلفظ به و له عمل زائد على التلفظ به فلم يعمل به فما عليه إلا عين ما تلفظ به فهو مسئول عند اللّٰه من حيث لسانه و لا يدخل الهم بالشيء في حديث النفس فإن الهم بالشيء له حكم آخر في الشرع خلاف حديث النفس فإن لذلك مواطن فإنه من يرد في الحرم المكي بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ سواء وقع منه ذلك الظلم الذي أراده أو لم يقع و أما في غير المسجد الحرام المكي فإنه غير مؤاخذ بالهم فإن لم يفعل ما هم به كتب له حسنة إذا ترك ذلك من أجل اللّٰه خاصة فإن لم يتركها من أجل اللّٰه لم يكتب له و لا عليه فهذا الفرق بين الحديث النفسي و الإرادة التي هي الهم فهذا و أمثاله رحمة من اللّٰه بعباده و أما الغفلة في كذا فهو تكليف صعب لو كلفه الإنسان لكن اللّٰه ما آخذ عباده بالغفلة في كذا كما لم يؤاخذهم بالغفلة عن كذا فإنه إذا غفل في كذا فإنه غفل عن جزء من أجزاء ما هو فيه شارع أو عامل فهو من غفلت عن كذا و قد شرع اللّٰه للغفل في كذا في بعض الأعمال حكما كالساهي في صلاته فإنه قد شرع له سجود السهو جبرا لما سها عنه و ترغيما للشيطان الذي وسوس له حتى وقع منه السهو و الغفلة فيما هو فيه عامل فإن تغافل حتى أوجب له ذلك التغافل الغفلة آخذه اللّٰه بها فإنه متعمل قاصد فيما يحول بينه و بين ما أوجب اللّٰه عليه فعله أو تركه فإذا غفل الإنسان أو سها عن عبوديته و رأى له فضلا على عبد آخر مثله و لا سيما إن كان العبد الآخر ملك يمينه أو يكون هذا الغافل من أولي الأمر كالسلطان و الوالي فيرى لنفسه مزية على غيره ما يرى تلك المزية للمرتبة التي أقيم فيها إن كان من أولي الأمر و لا للصفة القائمة به من حيث الاختصاص الإلهي له بها كالعلم و كرم الأخلاق فلم يفرق بين نفسه و المرتبة و لا بين الصفة و الموصوف بها فإنه صاحب جهل و غفلة مردية و لهذا يقول في حالها و أنت مثلي أو فلان مثلي أو يعادلني و من هو فلان و أي شيء قيمة فلان و هل هو إلا عبدي أو من رعيتى أو هو كذا من كل أمر مذموم ينزه نفسه عنه و ينوطه بذلك الآخر بخلاف من ليس بغافل عن نفسه فإنه يجعل الفضل للصفة و المرتبة لا لنفسه فإنه لم ينلها

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 380
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست