responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 379

ممن سمعه أن يرجع إليه و يقول به ليكون من أهله من رد الحق فما صدق ذلك القول فيما دل عليه قاله من قاله فذمه اللّٰه و قال و لكن استدراك لتمام القصة كذب من أتى به إليه و هو الرسول ص و كذب الحق إما بجهله فلم يعلم أنه الحق و إما بعناد و هو على يقين أنه حق في نفس الأمر فغالط نفسه لكون هذا الرسول جاء به كما قال في حق من هذه صفته وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا ثم قال و تولى بعد تكذيبه بالحق و بمن جاء به فتولى عن الحق ثُمَّ ذَهَبَ إِلىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطّٰى و هذا شغل المتكبر المشغول الخاطر المفكر الحائر الذي كسله ما سمعه فإنه بالوجه الظاهر يعلم أنه الحق لأن المعجزة لم يأت بها اللّٰه إلا لمن يعلم أن في قوته قبولها بما ركب اللّٰه فيه من ذلك و لذلك اختلفت الدلالات من كل نبي و في حق كل طائفة و لو جاءهم بآية ليس في وسعهم أن يقبلوها لجهلهم ما آخذهم اللّٰه بإعراضهم و لا بتوليهم عنها فإن اللّٰه عليم حكيم عادل و من تأخر عن حق غيره إلى ما يستحقه في نفسه فقد أنصف من نفسه و لم يتوجه لصاحب حق عليه طلب فحاز الخير بكلتي يديه فوقفه اللّٰه على جوامع الخير كله فإنه من أوتي الحكمة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فإن الحكيم هو الذي ينزل كل شيء في مرتبته و يعطي كل ذي حق حقه فله الحجة البالغة و الكلمة الدامغة و لم تنقطع مشاهدته و لم تتأخر المعونة الإلهية في عبادته عن مساعدته فإنا فرضناه عبد السيد ما فرضناه ملكا فإن الملك قد يكون فيمن يعقل عبوديته و فيمن لا يعقلها فالعبد حاله السمع و الطاعة لسيده و ما عدا العبد فهو ملك يتصرف فيه المالك كيف يشاء من غير أن يتعلق به ثناء يعدم منعه من التصرف فيه بخلاف من يعقل و هو العبد فإذا قام في تصريف الحق فيه مقام الأموال أثنى اللّٰه عليه بذلك لأن اللّٰه قد خصه في نشأته بقوة المنع و الرد لكلمة الحق و مكنه من الطاعة و المعصية فهو لما استعمله من ذلك فوقع الثناء عليه كما أثنى اللّٰه على الملائكة بقوله لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ فلو لم يكن في قوتهم و نشأتهم ما يقتضي رد أمر اللّٰه و ما يقتضي قبوله ما أثنى اللّٰه عليهم بما أثنى به من نفي العصيان عنهم و فعلهم ما أمرهم به فإن المجبور لا ثناء عليه أ لا ترى إلى المصلي إذا وقف بين يدي ربه في الصلاة يتكتف شغل العبد الذليل بين يدي سيده في حال مناجاته و السنة قد وردت بذلك و هو أحسن من إسبال اليدين و ذلك أن اللّٰه تعالى لما قسم الصلاة بينه و بين عبده نصفين فجزء منها مخلص له تعالى من أول الفاتحة إلى قوله يَوْمِ الدِّينِ فهذا بمنزلة اليد اليمنى من العبد لأن اَلْقُوَّةَ لِلّٰهِ جَمِيعاً فأعطيناه اليمين و الجزء الآخر مخلص للعبد من قوله اِهْدِنَا إلى آخر السورة فهذا الجزء بمنزلة اليد اليسرى و هي الشمال فإنه الجناب الأضعف و العبد هذه مرتبته فإنه خلق من ضعف ابتداء و رد إلى ضعف انتهاء و جزء منها بين اللّٰه و بين عبده فجمع هذا الجزء بين اللّٰه و عبده و هو قوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ فلهذا الجمع جمع العبد بين يديه في الصلاة إذا وقف فكملت صلاة العبد بجمعه بين يديه و صورة هذا التكتيف أن يجعل اليمنى على اليسرى كما قررناه من أن اليمين لله فلها العلو على الشمال و صورتها أن يجعل باطن كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى و الرسغ و الساعد ليجمع بالإحاطة جميع اليد التي أمر اللّٰه عبده في الوضوء للصلاة أن يعمها بالطهارة فأخذ الرسغ و ما جاوره من الكف و الساعد فانظر إلى هذه الحكمة ما أجلاها لذي عينين ثم

نهى النبي ص أن يرفع المصلي عينيه إلى السماء في صلاته فإن اللّٰه في قبلة العبد و لا يقابله في وقوفه إلا الأفق فهو قبلته التي يستقبلها و يحمد له أن ينظر إلى موضع سجوده فإنه المنبه له على معرفة نفسه و عبوديته و لهذا جعل اللّٰه القربة في الصلاة في حال السجود و ليس الإنسان بمعصوم من الشيطان في شيء من صلاته إلا في السجود فإنه إذا سجد اعتزل عنه الشيطان يبكي على نفسه و يقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة و أمرت بالسجود فأبيت فلي النار

«الوصل الثامن»من خزائن الجود

و هو متعلق بهذا الوصل الذي فرغنا منه و هو أن العبد متأخر في نفس الأمر عن رتبة خالقه و قد حيل بينه و بين شهود ذلك بما جعل اللّٰه فيه من النسيان و السهو و الغفلة فيتخيل إن له قدما في السيادة و الحال تشهد بخلاف ذلك فهو بالحال محقق و في نفس الأمر على ما هو عليه صاحب الشهود و لا سعادة له في ذلك بل له الشقاء و هذا غاية الحرمان و لا يزال كذلك حتى ينكشف الغطاء فيحتد البصر فيرى الأمر على ما هو عليه فيؤمن به فما ينفعه إيمانه فإن الايمان لا يكون إلا بالخبر لا بالعيان فليس المؤمن إلا من يؤمن بالغيب و هو الخبر الذي جاء من عند اللّٰه فإن الخبر بما هو خبر يقبل الصدق و الكذب كالممكن يقبل

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 379
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست