responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 38



أنت الإله الذي لا شيء يشبهه إلا الذي جاء في التنزيل و الكتب

[إن اللّٰه خلق الأرواح على ثلاث مراتب]

اعلم أن اللّٰه خلق الأرواح على ثلاث مراتب لا رابع لها أرواح ليس لهم شغل إلا تعظيم جناب الحق ليس لهم وجه مصروف إلى العالم و لا إلى نفوسهم قد هيمهم جلال اللّٰه و اختطفهم عنهم فهم فيه حيارى سكارى و أرواح مدبرة أجساما طبيعية أرضية و هي أرواح الأناسي و أرواح الحيوانات عند أهل الكشف من كل جسم طبيعي عنصري فإن اللّٰه عز و جل يقول وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ و

قال رسول اللّٰه ص يشهد للمؤذن مدى صوته من رطب و يابس و سبح الحصى في كفه ص و في كف من شاء اللّٰه من أصحابه و

قال في أحد هذا جبل يحبنا و نحبه فهذه الأخبار كلها تدل على حياة كل شيء و معرفته بربه فإن السماء و الأرض قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ و نحن نعرف ذلك من طريق الكشف و لو لم يأت في ذلك خبر و هذه الأرواح المدبرة لهذه الأجسام مقصورة عليها مسخرة بعضها لبعض بما فضل اللّٰه بعضهم على بعض كما قال عز و جل وَ رَفَعْنٰا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا و أرواح أخر مسخرات لنا و هم على طبقات كثيرة فمنهم الموكل بالوحي و الإلقاء و منهم الموكل بالأرزاق و منهم الموكل بقبض الأرواح و منهم الموكل بإحياء الموتى و منهم الموكل بالاستغفار للمؤمنين و الدعاء لهم و منهم الموكلون بالغراسات في الجنة جزاء لأعمال العباد

[إن اللّٰه جعل للأرواح الأناسي آلات طبيعية]

فاعلم إن أرواح الأناسي جعل اللّٰه لها آلات طبيعية كالعين و الأذن و الأنف و الحنك و جعل فيها قوى سماها سمعا و بصرا و غير ذلك و خلق لهذه القوي وجهين وجه إلى المحسوسات عالم الشهادة و وجه إلى حضرة الخيال و جعل حضرة الخيال محلا واسعا أوسع من عالم الشهادة و جعل فيها قوة تسمى الخيال إلى قوى كثيرة مثل المصورة و الفكر و الحفظ و الوهم و العقل و غير ذلك و بهذه القوي تدرك النفس الإنسانية جميع ما يعطيها حقائق هذه القوي من المعلومات فبالوجه الذي للبصر إلى عالم الشهادة تدرك جميع المحسوسات و ترفعها إلى الخيال فتحفظها في الخيال بالقوة الحافظة بعد ما تصورها القوة المصورة و قد تأخذ القوة المصورة أمورا من موجودات مختلفة كلها محسوسة و تركب منها شكلا غريبا ما أبصرته قط حسا بمجموعه لكن ما فيه جزء إلا و قد أبصرته فإذا نام الإنسان نظر البصر بالوجه الذي له إلى عالم الخيال فيرى ما فيه مما نقله الحس مجموعا أو مما صورته القوة المصورة مما لم يقع الحس على مجموعه قط لا على أجزائه التي تألفت منها هذه الصورة فتراه نائما إلى جانبك و هو يبصر نفسه معذبا أو منعما أو تاجرا أو ملكا أو مسافرا و يطرأ عليه خوف في منامه في خياله فيصيح و يزعق و الذي إلى جانبه لا علم له بذلك و لا بما هو فيه و ربما إذا اشتد الأمر تغير له المزاج فأثر في الصورة الظاهرة النائمة حركة أو زعاقا أو كلاما أو احتلاما كل ذلك من غلبة تلك القوة على الروح الحيواني فيتغير البدن في صورته فإذا تنزلت الأملاك المسخرة بالوحي على الأنبياء ع أو تنزل رقائق منها على قلوب الأولياء لأن الملك لا ينزل بوحي على قلب غير نبي أصلا و لا بأمر إلهي جملة واحدة فإن الشريعة قد استقرت و تبين الفرض و الواجب و المندوب و المباح و المكروه فانقطع الأمر الإلهي بانقطاع النبوة و الرسالة و لهذا لم يكتف رسول اللّٰه ص بانقطاع الرسالة فقط لئلا يتوهم أن النبوة باقية في الأمة

فقال ع إن النبوة و الرسالة قد انقطعت فلا نبي بعدي و لا رسول فما بقي أحد من خلق اللّٰه يأمره اللّٰه بأمر يكون شرعا يتعبده به فإنه إن أمره بفرض كان الشارع قد أمره به فالأمر للشارع و ذلك وهم منه و ادعاء نبوة قد انقطعت فإن قال إنما يأمره بالمباح قلنا لا يخلو إما أن يرجع ذلك المباح واجبا في حقه فهذا هو عين نسخ الشرع الذي هو عليه حيث صير بهذا الوحي المباح الذي قرره الرسول مباحا واجبا يعصي بتركه و إن أبقاه مباحا كما كان فكذلك كان فآية فائدة في الأمر الذي به جاء هذا الملك لهذا المدعي صاحب هذا المقام فإن قال ما جاء به ملك لكن اللّٰه أمرني به من غير واسطة قلنا هذا أعظم من ذلك فإنك ادعيت أن اللّٰه يكلمك كما كلم موسى ع و لا قائل به لا من علماء الرسوم و لا من علماء أهل الذوق ثم إنه لو كلمك أو لو قال لك فما كان يلقي إليك في كلامه إلا علوما و أخبارا لا أحكاما و لا شرعا و لا يأمرك أصلا فإنه إن أمرك كان الحكم مثل ما قلنا في وحي الملك فإن كان ذلك الذي دندنت عليه عبارة عن إن اللّٰه خلق في قلبك علما بأمر ما فما ثم في كل نفس إلا خلق العلم في كل إنسان ما يختص به ولي من غيره و قد بينا في هذا الكتاب و غيره ما هو الأمر عليه و منعنا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 38
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست