responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 377

عبادة لمخلوق عن أمر اللّٰه أو عن غير أمر اللّٰه فقد شقي و من سجد غير عابد لمخلوق فإن كان عن أمر اللّٰه كان طاعة فسعد و إن سجد لمخلوق غير عابد إياه عن غير أمر اللّٰه كانت رهبانية ابتدعها فما رعاها حَقَّ رِعٰايَتِهٰا ... إِلاَّ ابْتِغٰاءَ رِضْوٰانِ اللّٰهِ لأنه ما قصدها إلا قربة إلى اللّٰه فما خلت هذه الحالة عن اللّٰه و اللّٰه عند ظن عبده به لا يخيبه فليظن به خيرا فلا بد من أخذ المشركين لتعديهم بالاسم غير محله و موضوعة و لم يرد عليه أمر بذلك من اللّٰه و من المحال أن ترد عبادة و إن ورد سجود و لو لا وضع اسم الألوهية على الشريك ما عبدوه فإن نفوس الأناسي بالأصالة تأنف من عبادة المخلوقين و لا سيما من أمثالها فأصحبوا عليها الاسم الإلهي حتى لا يتعبدهم غير اللّٰه لا يتعبدهم مخلوق فما جعل المشرك يشرك بالله في وضع هذا الاسم على المخلوق إلا التنزيه لله الكبير المتعالي لأن المشرك لا بد له في عبادته من حركات ظاهرة تطلب التقييد و لا بد من تصور خيالي لأنه ذو خيال و لا بد من علم عن دليل عقلي يقضي بتنزيه الحق عن التقييد و نفي المماثلة فلذلك نقلوا الاسم للشريك و

النبي ص يقول لجبريل ع في معرض التعليم لعباد اللّٰه اعبد اللّٰه كأنك تراه فأمره بتصوره في الخيال مرئيا فما حجر اللّٰه على العباد تنزيهه و لا تخيله و إنما حجر عليه إن يكون محسوسا له مع علمه بأن الخيال من حقيقته أن يجسد و يصور ما ليس بجسد و لا صورة فإن الخيال لا يدركه إلا كذلك فهو حس باطن بين المعقول و المحسوس مقيد أعني الخيال و ما قرر الحق هذا كله إلا للرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ حتى إذا رحم من وقع الأخذ به عرف الخلق أن هذه الرحمة الإلهية قد تقدم الإعلام بها من الحق في الدار الدنيا دار التكليف فلا ينكرها العالمون فما أخرج اللّٰه العالم من العدم الذي هو الشر إلا للخير الذي أراده به ليس إلا الوجود فهو إلى السعادة موجود بالأصالة و إليها ينتهي أمره بالحكم فإن الدار التي أشرك فيها دار مزج فهي دار شبهة و هي الدنيا فلها وجه إلى الحق بما هي موجودة و لها وجه لغير الحق بما ينعدم ما فيها و ينتقل عنها إلى الأخرى و الشبهة نسبة الحل إليها و الحرمة على السواء و ما جعلها اللّٰه على هذه الصفة إلا لإقامة عذر العباد إذا أراد أن يرحمهم رحمة العموم فما ألطف اللّٰه بخلقه فإن الصانع له اعتناء بصنعته فالمؤمن العالم ما جحد إن المشرك عبد اللّٰه فإنه سمعه يقول مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ و المشرك ما جحد اللّٰه تعالى بل أقر به و أقر له بالعظمة و الكبرياء على من اتخذه قربة إليه فإذا علمت من أين أخذ من أخذ و أن الأخذ الأخروي كالحدود في الدنيا لا تؤثر في الايمان بوجود اللّٰه و لا في أحدية العظمة له التي تفوق كل عظمة عند الجميع فإنه من رحمة اللّٰه إن جعل اللّٰه مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ و حرمات اللّٰه و الشعائر الإعلام و المناسك قربة إلى اللّٰه و إن ذلك مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ فهذا أيضا من المشاركة في العظمة و هي مشروعة لنا فما عظم المشرك الشريك إلا لعظمة اللّٰه لما رأى أن العظمة في المخلوقات سارية يجدها كل إنسان في جبلته و مع ذلك فأفرد المشرك عظم عظمة اللّٰه في قلبه إلى اللّٰه فما وقعت المؤاخذة إلا لكون ما وقع من ذلك عن غير أمر اللّٰه في حق أشخاص معينين و نقل الاسم إلى أولئك الأشخاص

«وصل»و أما الأصول فمحفوظة بالفطرة

التي فطر اللّٰه الخلق عليها أ لا ترى إلى ما قال بعضهم وَ مٰا يُهْلِكُنٰا إِلاَّ الدَّهْرُ

فقال اللّٰه تعالى في الوحي الصريح الصحيح لا تسبوا الدهر فإن اللّٰه هو الدهر تراه قال هذا و جاء به سدى لا و اللّٰه بل جاء به رحمة لعباده فإن الدهر عند القائلين به ما هو محسوس عندهم و إنما هو أمر متوهم صورته في العالم وجود الليل و النهار عن حركة كوكب الشمس في فلكها المحرك بحركة الفلك الأعظم فلك البروج الذي له اليوم بحركته كما الليل و النهار بظهور كوكب الشمس فيه فقد كان اليوم و لا ليل و لا نهار مع وجود الدرجات و الدقائق و أقل من ذلك فلم يصح مع هذا شرك عام و لا تعطيل عام و إنما هي أسماء سموها أطلقوها على أعيان محسوسة و موهومة عن غير أمر اللّٰه فأخذوا بعدم التوقيف فقد وجدنا الأمر عين ما وجد منهم عن غير أمر فتحقق هذا الوصل فإنه دقيق جدا انتهى السفر الخامس و العشرون بانتهاء الوصل السادس من الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

«الوصل السابع»من مفاتح خزائن الجود

من الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة هذه الخزانة فيها وجوب تأخر العبد

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 377
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست