responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 376

البصيرة و البصر فقد كملت عبادته ظاهرا و باطنا و من قال بحلوله في الصور فذلك جاهل بالأمرين جميعا بل الحق إن الحق عين الصور فإنه لا يحويه ظرف و لا تغيبه صورة و إنما غيبه الجهل به من الجاهل فهو يراه و لا يعلم أنه مطلوبه

فقال له الرسول ص اعبد اللّٰه كأنك تراه فأمره بالاستحضار فإنه يعلم أنه لا يستحضر إلا من يقبل الحضور فاستحضار العبد ربه في العبادة عين حضور المعبود له فإن لم يعلمه إلا في الحد و المقدار حده و قدره و إن علمه منزها عن ذلك لم يحده و لم يقدره مع استحضاره كأنه يراه و إنما لم يحده و لم يقدره العارف به لأنه يراه جميع الصور فمهما حده بصورة عارضته صورة أخرى فانخرم عليه الحد فلم ينحصر له الأمر لعدم إحاطته بالصور الكائنة و غير الكائنة له فلم يحط به علما كما قال وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً مع وصفه بأنه أقرب إلى الإنسان من حبل وريده فالحق أقرب إليه من نفسه فإنه أتى بأفعل من فثم قريب و أقرب الأشياء قرب الظاهر من الباطن فلا أقرب من الظاهر إلى الباطن إلا الظاهر عينه و لا أقرب من الباطن إلى الظاهر إلا الباطن عينه و هو أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فهو عين المنعوت بأن له حبل الوريد فعلمنا أنه عين كل صورة و لا نحيط بما في الوجود من صور فلا نحيط به علما فإن قلت فأنت من الصور قلنا و كذلك نقول إلا أن الصور و إن كانت عين المطلوب فإنها أحكام الممكنات في عين المطلوب فلا نبالي بما ينسب إليها من الجهل و العلم و كل وصف فإني أعلم كيف أنسب و أصف و أنعت ف‌ لِلّٰهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ فالحق حق و إن لم تكن كما هو الحق حق و إن كنت لا فرقان فللظاهر حكم لا يكون للباطن من حيث ما قلت فيه باطن في العبادة و للباطن حكم لا يكون للظاهر من حيث ما قلت فيه ظاهر في العبادة و كل حكم له مقام معلوم و كل مقام له حكم معلوم فلا يعلم شيء إلا به فلا يعبد إلا به و لهذا نبه الحق من لا علم له بما ذكرناه على رتبة العلماء بالله فقال إنه سمع العبد و بصره فما أبصرته إلا به و لا سمعته إلا به فعينه عين سمعك و بصرك فما عبدته إلا به و ليس بعد إعلام الحق عز اسمه و جل ذكره إعلام و لا بعد أحكامه فيما حكم فيه أحكام

فليس إلا عينه بالخبر و ليس إلا غيره بالبصر
فأين أهل الفكر في ذاته قد ركبوا فيه عظيم الخطر
تعارض الأمر لديهم فما لهم به علم بحكم النظر
إن قيل هو قيل لهم ليس هو لأنه مطلوبكم بالفكر
أو قيل ما هو قيل هو إنه عين الذي تشهده في الصور

(واقعة)

رأيت عينا من لبن حليب ما رأيت لبنا مثله في البياض و الطيب في جرمه دخلت فيه حتى بلغ ثديي و هو يتدفق فتعجبت لذلك و سمعت كلاما غريبا إلهيا يقول من سجد لغير اللّٰه عن أمر اللّٰه قربة إلى اللّٰه طاعة لله فقد سعد و نجا و من سجد لغير اللّٰه عن غير أمر اللّٰه قربة إلى اللّٰه فقد شقي فإن اللّٰه عز و جل يقول وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلاٰ تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً فإن اللّٰه مع الخلق ما الخلق مع اللّٰه لأنه يعلمهم ف‌ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مٰا كٰانُوا في ظرفية أمكنتهم و أزمانهم و أحوالهم ما الخلق معه تعالى جل جلاله فإن الخلق لا تعرفه حتى تكون معه فمن دعا اللّٰه مع الخلق ما هو كمن دعا الخلق مع اللّٰه فَلاٰ تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً و لا يصح السجود إلى غير اللّٰه إلا لكون اللّٰه مع الخلق حيث كانوا فلا نعلمه و لا نجده إلا بالخلق فالسجود على الحقيقة لله الموصوف بالمعية مع الخلق و لهذا شرعت القبلة كما

قال ص إن اللّٰه في قبلة المصلي فالقبلة ما هي اللّٰه و اللّٰه فيها فأمرنا بالسجود لها لكون اللّٰه فيها و معها فمن رأى الخلق ببصره فقد رأى الحق ببصيرته مطلقا و ليس له إذا رأى ذلك أن يسجد له إلا إذا أمره بالسجود و إن كان لله فلا يقع في الحس إلا لغير اللّٰه أبدا لأنه لا يصح أن يقع السجود لله لأن اللّٰه بكل شيء محيط فالجهات كلها نسبتها أو نسبة الحق إليها على السواء و من خر على قفاه فما سجد لله و إن كان اللّٰه خلفه كما هو أمامه لكن اللّٰه ما راعى إلا وجهه لم يراع من جهات العبد سوى وجهه فلذلك لا يصح السجود لغير اللّٰه إلا عن أمر اللّٰه قال اللّٰه تعالى اُسْجُدُوا لِآدَمَ فالسجود لغير اللّٰه و العبادة لله لا تكون لغير اللّٰه أبدا فإنه لا أعظم من الشرك و قد قال المشرك مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ فما عبدوا الشركاء لأعيانهم فما أوخذوا إلا لكونهم عبد و هم فإن اللّٰه لا يأمر خلقه و لا يصح أن يأمر خلقه بعبادة مخلوق و يجوز أن يأمرنا بالسجود للمخلوق فمن سجد

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 376
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست