responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 364



فلا غرو أن الكون في كل حالة يقر لملك الملك بالرق و الملك
فالوجود الحادث و القديم مربوط بعضه ببعضه ربط الإضافة و الحكم لا ربط وجود العين فالإنسان مثلا موجود العين من حيث ما هو إنسان و في حال وجوده معلوم الأبوة إذا لم يكن له ابن يعطيه وجوده أو تقدير وجوده نعت الأبوة و كذلك أيضا هو معدوم نعت المالك ما لم يكن له ملك يملكه به يقال إنه مالك و كذلك الملك و إن كان موجود العين لا يقال فيه ملك حتى يكون له مالك يملكه فالله من حيث ذاته و وجوده غني عن العالمين و من كونه ربا يطلب المربوب بلا شك فهو من حيث العين لا يطلب و من حيث الربوبية يطلب المربوب وجودا و تقديرا و قد ذكرنا أن كل حكم في العالم لا بد أن يستند إلى نعت إلهي إلا النعت الذاتي الذي يستحقه الحق لذاته و به كان غنيا و النعت الذاتي الذي للعالم بالاستحقاق و به كان فقيرا بل عبدا فإنه أحق من نعت الفقر و إن كان الفقر و الذلة على السواء و لهذا قال الحق لأبي يزيد تقرب إلي بما ليس لي الذلة و الافتقار و القادر على الشيء و الانفعال الذاتي عن الشيء لا يتصف ذلك القادر و لا الذي عنه انفعل ما انفعل بالافتقار بخلاف المنفعل فإنه موصوف بالذلة و الافتقار فتميز الحق من الخلق بهذا و إن كان الخلق بالحق و الحق بالخلق مرتبطا بوجه فالأمر كما قررناه و هذا المنزل قد حواه فيقول القائل فلما ذا يستند الحكم بالهوى و هو موجود في الكون و الحق لا يحكم بالهوى فالأهواء ما مستندها قلنا إن تفطنت لقول اللّٰه تعالى إِنَّ رَبَّكَ فَعّٰالٌ لِمٰا يُرِيدُ فلم يصف نفسه بالتحجير عليه في حكمه و الكون موصوف بالتحجير فتوجه عليه الخطاب بأنه لا يحكم بكل ما يريد بل بما شرع له ثم إنه لما قيل فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لاٰ تَتَّبِعِ الْهَوىٰ أي لا تحكم بكل ما يخطر لك و لا بما يهوى كل أحد منك بل احكم بما أوحى به إليك فإن اللّٰه تعالى قال جبر القلب خلفائه قل يا محمد رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي و لا تفعل ما تريد فليكن حكمك في الأمم يوم القيامة بما شرعت لهم و بعثتنا به إليهم فإن ذلك مما يراد فإنك ما أرسلتنا إلا بما تريد حتى يثبت صدقنا عندهم و تقوم الحجة عليهم إذا حكم الحق في كل أمة بما أرسل به نبيه إليهم و بهذا تكون لله اَلْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ فدل التحجير على الخلق في الأهواء أن لهم الإطلاق بما هم في نفوسهم ثم حدث التحجير في الحكم و التحكم كما أنه فَعّٰالٌ لِمٰا يُرِيدُ ثم إنه ما حكم إلا بما شرع و أمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده كما كان حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه بذلك فليست الأهواء إلا مطلق الإرادات فقد علمت لما ذا استندت الأهواء و استند التحجير ثم لتعلم إن الهوى و إن كان مطلقا فلا يقع له حكم إلا مقيدا فإنه من حيث القابل يكون الأثر فالقابل لا بد أن يقيده فإنه بالهوى قد يريد القيام و القعود من العين الواحدة التي تقبلهما على البدل في حال وجود كل واحد منهما في تلك العين و القابل لا يقبل ذلك فصار الهوى محجورا عليه بالقابل فلما قبل الهوى التحجير بالقابل علمنا إن هذا القبول له قبول ذاتي فحجر الشرع عليه فقبل و ظهر حكم القابل في الهوى ظهوره في مطلق الإرادة فيمن اتصف بها فلما خلق اللّٰه النفس الناطقة أو الخليفة قل ما شئت خلق فيه قوى روحانية معنوية نسبية معقولة و إن كانت هذه القوي عين من اتصف بها كالاسماء و الصفات الإلهية التي مرجعها و كثرتها إلى نسب في عين واحدة لا تقبل الكثرة في عينها و لا العدد الوجودي العيني فكان من القوي التي خلقها في هذا الخليفة بل في الإنسان الكامل و الحيوان و هو مطلق الإنسان قوة تسمى الوهم و قوة تسمى العقل و قوة تسمى الفكر و ميز الحضرات الثلاثة لهذا الخليفة و ولاه عليها حضرة المحسوسات و حضرة المعاني المجردة في نفسها عن المواد و إن لم يظهر بعضها إلا في بعض المواد و حضرة الخيال و جعل الخيال حضرة متوسطة بين طرفي الحس و المعنى و هو خزانة الجبايات التي تجبيها الحواس و جعل فيه قوة مصورة تحت حكم العقل و الوهم يتصرف فيها العقل بالأمر و كذلك الوهم أيضا يتصرف فيها بالأمر و قوى في هذه النشأة سلطان الوهم على العقل فلم يجعل في قوة العقل أن يدرك أمرا من الأمور التي ليس من شأنها أن تكون عين مواد أو تكون لا تعقل من جهة ما إلا في غير مادة كالصفات المنسوبة إلى اللّٰه المنزه عن إن يكون مادة أو في مادة فعلمه المنسوب إليه ما هو مادة و لا ينسب إلى مادة فلم يكن في قوة العقل مع علمه بهذا إذا خاض فيه أن يقبله إلا بتصور و هذا التصور من حكم الوهم عليه لا من حكمه فالحس يرفع إلى الخيال ما يدركه و تركب القوة المصورة في الخيال ما شاءته مما لا وجود له

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 364
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست