responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 361

الأرواح البشرية فإن لهما في الآخرة مثل ما لهما في الدنيا اجتماعات برزخيات مثل ما يرى النائم في النوم أنه ينكح زوجته و يولد له فإذا أقيم العبد في هذا المقام سواء كان في الدنيا أو في الآخرة و نكح الرجل من حيث روحه زوجته من حيث روحها يتولد بينهما من ذلك النكاح أولاد روحانيون ما يكون حكمهم حكم المولدين من النكاح الحسي في الأجسام و الصور المحسوسات التي تقدم ذكرها فيخرج الأولاد ملائكة كراما لا بل أرواحا مطهرة و هذا هو توالد الأرواح و لكن لا بد أن يكون ذلك عن تجل برزخي فتجلى الحق في الصور المقيدة فإن البرزخ أوسع الحضرات جودا و هو مجمع البحرين بحر المعاني و بحر المحسوسات فالمحسوس لا يكون معنى و المعنى لا يكون محسوسا و حضرة الخيال التي عبرنا عنه بمجمع البحرين هو يجسد المعاني و يلطف المحسوس و يقلب في عين الناظر عين كل معلوم فهو الحاكم المتحكم الذي يحكم و لا يحكم عليه مع كونه مخلوقا إلا إن الأنفاس التي تظهر من تنفس الحوراء أو الآدمية إذا كانت صورة ما ظهرت فيه من نفس النكاح يخرج مخالفا للنفس الذي لا صورة فيه يميزه أهل الكشف و لا يدرك ذلك في الآخرة إلا أهل الكشف في الدنيا و صورة هذا النشء المتولد عن هذا النكاح في الجنة صورة نشء الملائكة أو الصور من أنفاس الذاكرين اللّٰه و ما يخلق اللّٰه من صور الأعمال و قد صحت الأخبار بذلك عن رسول اللّٰه ص و إنما جعلنا الكرسي موضع هذه الخزائن لأن الكرسي لغة عبارة عن العلم كما قال وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ أي علمه و كذلك هو هنا فإن الخزائن فيها أشخاص الأنواع و هذه الأشخاص لا تتناهى و ما لا يتناهى لا يدخل في الوجود إذ كل ما يحصره الوجود فإنه متناه فلا بد أن يكون الكرسي هنا علمه فإن علمه محيط بما لا يتناهى فلا تتخيل في الكرسي الذي ذكرناه أنه هذا الكرسي الذي فوق السموات و دون العرش فإنه كرسي محصور موجود متناهى الأجزاء

[أن أفضل ما جاد به اللّٰه تعالى على عباده العلم]

و اعلم أن أفضل ما جاد به اللّٰه تعالى على عباده العلم فمن أعطاه اللّٰه العلم فقد منحه أشرف الصفات و أعظم الهبات و العلم و إن كان شريفا بالذات فإن له شرفا آخر يرجع إليه من معلومه فإنها صفة عامة التعلق و تشرف المفاتيح بشرف الخزائن و تشرف الخزائن بقدر شرف ما اختزن فيها فالموجود الحق أعظم الموجودات و أجلها و أشرفها فالعلم به أشرف العلوم و أعظمها و أجلها ثم ينزل الأمر في الشرف إلى آخر معلوم و ما من شيء إلا و العلم به أحسن من الجهل به فالعلم شرفه ذاتي له و الشرف الآخر مكتسب و الخزائن محصورة بانحصار أنواع المعلومات و مرجعها و إن كثرت إلى خزانتين خزانة العلم بالله و خزانة العلم بالعالم و في كل خزانة من هاتين الخزانتين خزائن كالعلم بالله من حيث ذاته بالإدراك العقلي و من حيث ذاته بالإدراك الشرعي السمعي و العلم به من حيث أسماؤه و العلم به من حيث نعوته و العلم به من حيث صفاته و العلم به من حيث النسب إليه و كل ذلك من حيث النظر الفكري و من حيث السمع و هو من حيث السمع كما هو من حيث الكشف و الخزانة الأخرى التي هي العلم بالعالم تحوي على خزائن و في كل خزانة خزائن فالخزائن الأول العلم بأعيان العالم من حيث إمكانه و من حيث وجوبه و من حيث ذواته القائمة بأنفسها و من حيث أكوانه و من حيث ألوانه و من حيث مراتبه و من حيث مكانه و زمانه و نسبه و عدده و وضعه و تأثيره و كونه مؤثرا فيه منه و من غيره إلى أمثال هذا من العلوم و علم الدنيا و البرزخ و الآخرة و الملإ الأعلى و الأدنى فأول مفتاح من هذه الخزائن أعطاه العالم بالله مفتاح خزانة العلم بالوجود مطلقا من غير تقييد بحادث و لا قديم و بما ذا تميز هل بنفسه أو بغيره و هو العدم فالوجود ظهور الموجود في عينه فإن به تظهر جميع الأحكام من نفي و إثبات و وجوب و إمكان و إحالة و وجود و عدم و لا وجود و لا عدم هذا كله لا يثبت و لا يصح إلا من موجود يكون عينه و ماهيته و وجوده لا يقبل التكثر إلا بحكمه عليه فإن الحقائق التي تبرز إليه فيه لوجوده فنقول بالكثرة في عينه و هو واحد و لكل حقيقة اسم فله أسماء

تجسدت أسمائي فكنت كثيرا و لم يرني غير فكنت بصيرا
فيا قائلا بالغير أين وجوده و أين يكون الغير كنت غيورا
تعالى على من أو بعز فليس ثم فبالحق كان الحق فيه غفورا
فو الله لو لا اللّٰه ما كان كونه غنيا و لا كان الغني فقيرا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 361
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست