responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 322



و كلها منه و لكنه كذا أتانا الحكم في شكلها
فكل مخالف أمر الحق فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه و لذلك لا يكون العفو و التجاوز و المغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد و إنما يكون ذلك امتنانا من اللّٰه عليه فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله و تجاوز و غفر لمن أساء إليه في دنياه فقام له الحق في تلك الصفة من العفو و الصفح و التجاوز و المغفرة مثلا بمثل يدا بيدها و ها

ورد في الخبر الصحيح عن رسول اللّٰه ص ما كان اللّٰه لينهاكم عن الربا و يأخذه منكم فما نهى اللّٰه عباده عن شيء إلا كان منه أبعد و لا أمركم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق

[منزل الميراث المعنوي هو منزل الشريعة]

و اعلم أن هذا المنزل هو منزل الميراث المعنوي و هو منزل الشريعة و كون الحياة شرطا في جميع وجود النسب المنسوبة إلى اللّٰه و هذه النسبة أوجبت له سبحانه أن يكون له اسمه الحي فجميع الأسماء الإلهية موقوفة عليه و مشروطة به حتى الاسم اللّٰه فالاسم اللّٰه هو المهيمن على جميع الأسماء التي من جملتها الحي و نسبة الاسم الحي لها المهيمنية على جميع النسب الأسمائية حتى نسبة الألوهة التي بها تسمى اللّٰه اللّٰه

قال ص العلماء ورثة الأنبياء و ما ورثوا دينارا و لا درهما و إنما ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر و

قال نحن معاشر الأنبياء لا نرث و لا نورث ما تركنا صدقة يعني الورث أي ما يورث من الميت من المال فلم يبق الميراث إلا في العلم و الحال و العبارة عما وجدوه من اللّٰه في كشفهم و أهل النظر في نظرهم و هؤلاء هم العلماء الذين يخشون اللّٰه لعلمهم بأنه يعلم حركاتهم و سكناتهم على التعيين و التفصيل فإنه اَلَّذِي يَرٰاكَ حِينَ تَقُومُ وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ و في جميع أحوالك فأبان ص إن الأنبياء لهم التقدم فإنهم لا يورثون حتى ينقلبوا إلى اللّٰه من هذه الدار فكل ما يناله المتبع لنبي خاص في حياته فإنه إنعام من ذلك النبي لا ميراث و كل ما ناله من نبي قد مات فذلك علم موروث فكل وارث علم في زمان فإنما يرث من تقدمه من الأنبياء ع لا من تأخر عنه فوراثة عالم كل أمة كانت لنبي قبل رسول اللّٰه ص فوراثة جزئية و هذه الأمة المحمدية لما كان نبيها محمد ص آخر الأنبياء و كانت أمته خير الأمم صح للوارث منهم أن يرثه و يرث جميع الأنبياء ع و لا يكون هذا أبدا في عالم أمة متقدمة قبل هذه الأمة فلهذا كانت أفضل أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ لأنها زادت على الوارثين بأمر لم ينله إلا هذه الأمة فكل وارث نبي فعلمه من فيض نور من ورثه من اللّٰه و نظره سبحانه إلى أنبيائه أتم النظر فعلم الورثة أتم العلوم و كل علم لا يكون عن ورث فإنه ليس بعلم اختصاص كعلم أصحاب الفترات فإن علمهم ليس بعلم وراثة و إن كانوا علماء و لكنهم لم يكونوا متبعين لنبي لأنه لم يبعث إليهم و ليسوا بأنبياء فما كان لهم من اللّٰه نظرة الأنبياء فنزلوا عن درجة الورثة في العلم و علموا إن لله أنبياء و أما الذين لا يقرون بالأنبياء و لا بالنبوة على ما هي عليه في نفسها و يرون أن مسمى الأنبياء إنما هو لمن صفى جوهرة نفسه من كدورات الشهوات الطبيعية و التزم مكارم الأخلاق العرفية و إنه إذا كان بهذه المثابة انتقش في نفسه ما في العالم العلوي من الصور بالقوة فنطق بعلم الغيوب و ليست النبوة عندنا و لا هي في نفسها كذلك و لا بد و قد تكون في بعض الأشخاص على ما قالوه و لكن مع جواز ما ذكروه من نقش ما في العالم من الصور بالقوة في نفس هذا الشخص مما وقع في الوجود و لا يقع في جزئيات الأمور فإن الذي في حركات الأفلاك و سباحة الكواكب و في السموات من العلوم التي تكون من آثارها لا علم لها بذلك من كوكب و سماء و فلك و ملك فيعرف هذا الشخص منها ما لا تعرف من نفسها و ما ذكر عن أحد من نبي و لا حكيم أنه أحاط علما بما يحوي عليه حاله في كل نفس نفس إلى حين موته بل يعلم بعضا و لا يعلم بعضا مع علمنا إن اللّٰه عز و جل أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا و أن اللّٰه قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة و لو سئل اللوح ما فيك أو ما خط القلم فيك من علم اللّٰه عز و جل ما علم فإن اللّٰه أودع ذلك كله في نظره لمن هو دونه و لا يعلم ما يكون عن ذلك النظر من الأثر إلا اللّٰه فإن الأثر ما بظهر عن النظر بل عن استعداد القابل و لهذا قال وَ مٰا أَمْرُنٰا إِلاّٰ وٰاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ فانظر في لمحة البصر الواحد ما تدرك من المنظورات و هذا الأمر و إن كان واحدة فإنه بالوجود مختلف لاختلاف القوابل في الاستعداد فلا يعلم الأمور على التفصيل إلا اللّٰه وحده وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ و كل صاحب مجاهدة و خلوة و تصفية نفس على غير شريعة و لا مؤمن بها على ما هي عليه في

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 322
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست