responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 32

المجموع و هو الأولى و قد وردت لفظة الإنسان على ما ذهبت إليه كل طائفة ثم اختلفنا في شرفه هل هو ذاتي له أو هو بمرتبة نالها بعد ظهوره في عينه و تسويته كاملا في إنسانية إما بالعلم و إما بالخلافة و الإمامة فمن قال إنه شريف لذاته نظر إلى خلق اللّٰه إياه بيديه و لم يجمع ذلك لغيره من المخلوقين و قال إنه خلقه على صورته فهذا حجة من قال شرفه شرف ذاتي و من خالف هذا القول قال لو أنه شريف لذاته لكنا إذا رأينا ذاته علمنا شرفه و الأمر ليس كذلك و لم يكن يتميز الإنسان الكبير الشريف بما يكون عليه من العلم و الخلق على غيره من الأناسي و يجمعهما الحد الذاتي فدل إن شرف الإنسان بأمر عارض يسمى المنزلة أو المرتبة فالمنزلة هي الشريفة و الشخص الموصوف بها نال الشرف بحكم التبعية كمرتبة الرسالة و النبوة و الخلافة و السلطنة و اللّٰه يقول أ و لم ير (أَ وَ لاٰ يَذْكُرُ)الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً و قال هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً أي قد أتى على الإنسان و قد قالت الملائكة فيه من حيث ذاته ما قالت و صدقت فما علم شرفه إلا بما أعطاه اللّٰه من العلم و الخلافة فليس لمخلوق شرف من ذاته على غيره إلا بتشريف اللّٰه إياه و أرفع المنازل عند اللّٰه أن يحفظ اللّٰه على عبده مشاهدة عبوديته دائما سواء خلع عليه من الخلع الربانية شيئا أو لم يخلع فهذه أشرف منزلة تعطي لعبد و هو قوله تعالى وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي و قوله سبحانه سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْرىٰ بِعَبْدِهِ فقرن معه تنزيهه قال بعض المحبين في هذا المقام

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
فليس لصنعة شرف أعلى من إضافتها إلى صانعها و لهذا لم يكن لمخلوق شرف إلا بالوجه الخاص الذي له من الحق لا من جهة سببه المخلوق مثله و في هذا الشرف يستوي أول موجود و هو القلم أو العقل أو ما سميته و أدنى الموجودات مرتبة فإن النسبة واحدة في الإيجاد و الحقيقة واحدة في الجميع من الإمكان فأخر صورة ظهر فيها الإنسان الصورة الآدمية و ليس وراءها صورة أنزل منها و بها يكون في النار من شقي لأنها نشأة و تركيب تقبل الآلام و العلل و أما أهل السعادة فينشئون نشأة و تركيبا لا يقبل ألما و لا مرضا و لا خبثا و لهذا لا يهرم أهل الجنة و لا يتمخطون و لا يبولون و لا يتغوطون و لا يسقمون و لا يجوعون و لا يعطشون و أهل النار على النقيض منهم و هي نشأة الدنيا و تركيبها فهي أدنى صورة قبلها الإنسان و قد أتت عليه أزمنة و دهور قبل إن يظهر في هذه الصورة الآدمية و هو في الصورة التي له في كل مقام و حضرة من فلك و سماء و غير ذلك مما تمر عليه الأزمان و الدهور و لم يكن قط في صورة من تلك الصور مذكورا بهذه الصورة الآدمية العنصرية و لهذا ما ابتلاه قط في صورة من صوره في جميع العالم إلا في هذه الصورة الآدمية و لا عصى الإنسان قط خالقه إلا فيها و لا ادعى رتبة خالقه إلا فيها و لا مات إلا فيها و لهذا يقبل الموت أهل الكبائر في النار ثم يخرجون فيغمسون في نهر الحياة فيتركبون تركيبا لا يقبل الألم و لا الأسقام فيدخلون بتلك الصورة الجنة

[أن الصراط هو صراط الهدى]

و اعلم أن الصراط الذي إذا سلكت عليه و ثبت اللّٰه عليه أقدامك حتى أوصلك إلى الجنة هو صراط الهدى الذي أنشأته لنفسك في دار الدنيا من الأعمال الصالحة الظاهرة و الباطنة فهو في هذه الدار بحكم المعنى لا يشاهد له صورة حسية فيمد لك يوم القيامة جسرا محسوسا على متن جهنم أوله في الموقف و آخره على باب الجنة تعرف عند ما تشاهده أنه صنعتك و بناؤك و تعلم أنه قد كان في الدنيا ممدودا جسرا على متن جهنم طبيعتك في طولك و عرضك و عمقك و ثلاث شعب إذ كان جسمك ظل حقيقتك و هو ظل غير ظليل لا يغنيها من اللهب بل هو الذي يقودها إلى لهب الجهالة و يضرم فيها نارها فالإنسان الكامل يعجل بقيامته في الموطن الذي تنفعه قيامته فيه و تقبل فيه توبته و هو موطن الدنيا فإن قيامة الدار الأخرى لا ينفع فيها عمل لأنه لم يكلف فيها بعمل فإنه موطن جزاء لما سلف في الدار الدنيا و هو قوله تعالى ثُمَّ هَدىٰ أي بين ما يقتضيه المواطن ليكون الإنسان المخاطب في كل موطن بما قرن به من العمل بالذي يرضيه و هو ممزوج بما ينافيه مثل خلق الأجسام الطبيعية سواء فإن الحرارة تنافر البرودة و إن الرطوبة تنافر اليبوسة و أراد الحق أن يجمع الكل على ما هم عليه من التضاد في جسم واحد فضم الحرارة إلى اليبوسة فخلق منهما المرة الصفراء ثم زوج بين الحرارة و الرطوبة فكان لهذا المزاج الدم و جعله مجاورا لهما جعل الرطوبة التي في الدم مما يلي اليبوسة التي في الصفراء بحكم المجاورة حتى تقاومها في الفعل فلا تترك

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست