responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 301

فإنه لا ذوق له في الألوهة و لا خبرة له بها فما عنده منها إلا الأسماء خاصة فاسأل اللّٰه عن اللّٰه و اسئل العبد عن العبودة فنسبة العبودة للعبد نسبة الألوهة لله فإخبار الحق عن العبودة اخبارا له و إخبار العبد عن الألوهة إخبار عبد و لذلك

ورد من عرف نفسه عرف ربه فيعرف نفسه معرفة ذوق فلا يجد في نفسه للالوهة مدخلا فيعلم بالضرورة أن اللّٰه لو أشبهه أو كان مثلا له لعرفه في نفسه و علم بافتقاره أن ثم من يفتقر إليه و لا يمكن أن يشبهه فعرف ربه أنه ليس مثله و إن كان اللّٰه قد أقامه خليفة و أوجده على الصورة فيخاف و يرجى و يطاع و يعصى فقد بينا معنى ذلك في هذه الآثار من هذا الباب و أما الأثر التاسع و هو قوله في خلق السموات و الأرض إنه ما خلقهما إلا بالحق : أي ما خلقهما إلا له تعالى جده و تبارك اسمه لأنه قال وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فما خلق العالم إلا له تعالى و لذلك قال فيمن علم أنه جعل في نشأته عزة و هما الجن و الإنس وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ أي ليتذللوا إلي لما ظهر فيهما من العزة و دعوى الألوهة و الإعجاب بنفوسهم فمن لطف اللّٰه بهم أن ينبههم على ما أراد بهم في خلقه إياهم فمن تنبه كان من الكثير الذي يسجد لله و من لم يتنبه كان من الكثير الذي حق عليه العذاب و أما قوله في هذه الآية وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ قد يريد به الإنسان وحده من حيث ما له ظاهر و باطن فمن حيث ما له ظاهر هو أنس من آنست الشيء إذا أبصرته قال تعالى في حق موسى إخبارا عنه إِنِّي آنَسْتُ نٰاراً أي أبصرت و الجن باطن الإنسان فإنه مستور عنه فكأنه قال و ما خلقت ما ظهر من الإنسان و ما بطن إلا ليعبدون ظاهرا و باطنا فإن المنافق يعبده ظاهرا لا باطنا و المؤمن يعبده ظاهرا و باطنا و الكافر المعطل لا يعبده لا في الظاهر و لا في الباطن و بعض العصاة يعبده باطنا لا ظاهرا و ما ثم قسم خامس و ما أخرجنا الجن الذين خلقهم اللّٰه من نار من هذه الآية و جعلناها في الإنسان وحده من جهة ما ظهر منه و ما استتر إلا لقول اللّٰه لما ذكر السجود أنه ذكر جميع من يسجد له ممن في السموات و من في الأرض و قال في الناس وَ كَثِيرٌ مِنَ النّٰاسِ فما عمهم و دخل الشياطين في قوله مَنْ فِي الْأَرْضِ و ذلك أن الشيطان و هو البعيد من الرحمة يقول للإنسان إذا أمره بالكفر فكفر إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ فأبان اللّٰه لنا عن معرفة الشيطان بربه و خوفه منه فلذلك كان صرف الجن في هذه الآية إلى ما استتر من الإنسان أولى من إطلاقه على الجان و اللّٰه أعلم و أما الأثر العاشر فهو ما ظهر في العالم من إبانة الرسل المترجمين عن اللّٰه ما أنزل اللّٰه على عباده مع إنزال كتبه فما اكتفى بنزول الكتب الإلهية حتى جعل الرسل تبين ما فيها لما في العبارة من الإجمال و ما تطلبه من التفصيل و لا تفصل العبارة إلا بالعبارة فنابت الرسل مناب الحق في التفصيل فيما لم يفصله و أجمله و هو قوله تعالى لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ بعد تبليغه ما أنزل إلينا و هذه حقيقة سارية في العالم و لولاها ما شرحت الكتب و لا ترجمت من لسان إلى لسان و لا من حال إلى حال قال تعالى فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ و هو ما أنزله خاصة و أما ما فصله الرسول و أبان عنه فهو تفصيل ما نزل لا عين ما نزل و يقع البيان بعبارة خاصة و يعقل بأي شيء كان و أما الأثر الحادي عشر و الثاني عشر فهما المرتبتان من المراتب الثلاثة التي ذكرناها في أول هذه لآثار و هما مرتبة الاتصال بالحق و مرتبة السبب الرابط بين الأمرين و قد تقدم فلنذكر ما في هذا المنزل من العلوم إن شاء اللّٰه فمن ذلك علم السبب الموجب لبقاء المؤمن في النعيم في دار النعيم و فيه علم أسباب الفوز و النجاة من الجهل الذي هو شر الشرور و فيه علم ما يستحقه الموطن من الأمور التي تكون بها السعادة للإنسان و قد تظهر في موطن آخر و لا تعطي سعادة و فيه علم كل ما ثبت عينه هل يسقط حكمه أو لا يسقط إلا حكم بعض ما ثبت عينه أو لا يسقط له حكم على الإطلاق بل يسقط عنه حكم خاص لا كل حكم فهل يشتغل بما سقط حكمه أو لا يشتغل به كلغو اليمين فإن الكفارة سقطت عنه في الحنث و فيه علم ما يظهر من الزيادة إذا أضيف الفعل إلى المخلوق بوجه شرعي يوجب ذلك أو كرم خلق عقلي و فيه علم الملإ و الخلأ و فيه علم فعل ما ينبغي و ترك ما لا ينبغي و فيه علم التعدي في حدود الأشياء و هل الحد داخل في المحدود فلا يكون تعديا و إذا دخل كيف صورة دخوله و الفرق بين قوله وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ و قوله أَتِمُّوا الصِّيٰامَ إِلَى اللَّيْلِ و هذا حد بكلمة معينة تقتضي في الواحد خروج الحد من المحدود و في الآخر دخول الحد في المحدود و ينبغي هذا على معرفة الحد في نفسه ما هو فإن للحد حدا و لا يتسلسل و فيه علم العهود و الأمانات و ما هي الأمانات

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 301
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست