responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 289

الحمد و المنة على ما أعطى و مما يتعلق بهذا الباب نور توحيد الذات

[في قوة الواحد أحدية كل موجود و معلوم و معدود]

و اعلم أنه لما كان في قوة الواحد أحدية كل موجود و معلوم و معدود ظهر جميع ما ظهر من العالم من مجموع و مفرد و في العالم من تقسيم عقلي في المعلومات بأحدية تخصه و أعطتها ذلك أحدية الذات الواهبة لوجود ما وجد و الواهبة علم ما علم من المعلومات فالأحدية ظاهرة في الآحاد خفية في المجموع فأحدية الذات في الآحاد و البسائط و أحدية المجموع في المركبات و هي المعبر عنها في الإلهيات بلسان الشرع بالأسماء و في العقول السليمة بالنسب و في العقول القاصرة النظر بالصفات و أبين ما يظهر فيه حكم الواحد في العدد لأنه بالواحد يظهر العدد و ينشأ على الترتيب الطبيعي من الاثنين إلى ما لا يتناهى و بزوال الواحد منه يزول فالمعلول لو لا علته ما ظهرت له عين و العالم لو لا اللّٰه ما وجد في عينه و أعطى سبحانه اسم الذات لنفسه و اسم النفس لما يحمل اسم النفس من التذكير و التأنيث كما قال تعالى أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ الآية فأنث فقال بَلىٰ قَدْ جٰاءَتْكَ آيٰاتِي بكاف مكسورة خطاب المؤنث آياتي فَكَذَّبْتَ بِهٰا بتاء مفتوحة خطاب المذكر و العين واحدة فإن النفس و العين عند العرب يذكران و يؤنثان و ذلك لأجل التناسل الواقع بين الذكر و الأنثى و لذلك جاء في الإيجاد الإلهي بالقول و هو مذكر و الإرادة و هي مؤنثة فأوجد العالم عن قول و إرادة فظهر عن اسم مذكر و مؤنث فقال إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ و شيء أنكر النكرات و القول مذكر إِذٰا أَرَدْنٰاهُ و الإرادة مؤنثة أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فظهر التكوين في الإرادة عن القول و العين واحدة بلا شك فبنور توحيد الذات ظهرت جميع المحدثات علوا و سفلا و حسا و معنى و مركبا و مفردا فسرت الأحدية في كل شيء فما ثم إلا واحد و ما ظهر أمر إلا به و منه و فيه ففيه من حيث ما للنفس من التأنيث و به من حيث ما للنفس من التذكير و التأنيث و منه من حيث ما للنفس من التذكير فعين واحدة فاعلة منفعلة و الانفعال ما ظهر في الأعيان من الموجودات و المعلومات المعقولة و إن لم يوجد لها أعيان ثم جعل التوليد في الحيوانات بل في ما يقبل الولادة على ثلاثة أضرب ف‌ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً مراعاة لمحل التكوين وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ مراعاة للملقي أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرٰاناً وَ إِنٰاثاً مراعاة للمجموع فإن زوجهم إناثا أو ذكرانا أو ذكرا و أنثى فلوجود الجمع المؤذن بما في الأصل من جمع النسب وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشٰاءُ عَقِيماً لمن لا يقبل الولادة كأسماء التنزيه فما في الوجود أحدية إلا أحدية الكثرة و ليست إلا الذات و الألوهة لهذه وصف نفسي لأنه لذاته هو و لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ فافهم فلهذا قلنا أحدية المجموع أو أحدية الكثرة فإن قلت فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ فقلنا هذا لا يقدح في أحدية الكثرة فإن كونه ذاتا ما هو كونه غنيا فمعقول الذات خلاف معقول نعتها بالغنى فأنت في هذا الاعتراض مثبت لما تريد نفيه فقويت قولي و أعظم من هذه النسبة إلى الإله فما ثم و أزيدك أمرا آخر في هذه المسألة و هو أن اللّٰه و إن كان في ذاته غنيا عن العالمين فمعلوم أنه منعوت بالكرم و الجود و الرحمة فلا بد من مرحوم و متكرم عليه و لهذا قال تعالى وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ فأجاب الداعي سبحانه جودا و كرما و لا شك أن السؤال بالأحوال أتم من السؤال بالقول و الإجابة أسرع للسائل بالحال لأنه سائل بذاته و الجود على المضطر المحتاج أعظم في نفس الأمر من الجود على غير المضطر و الممكن في حال عدمه أشد افتقارا إلى اللّٰه منه في حال وجوده و لهذا لا تصحب الممكن دعوى في حال عدمه كما تصحبه في حال وجوده فإفاضة الوجود عليه في حال عدمه أعظم في الجود و الكرم فهو تعالى و إن كان غنيا عن العالمين فذلك تنزيه عن إن يقوم به فقر أو يدل عليه دليل غير نفسه فأوجد العالم من وجوده و كرمه و هذا لا يشك فيه عاقل و لا مؤمن و إن الجود له نعت نفسي فإنه جواد كريم لنفسه فلا بد من وجود العالم و ما حكم العلم بكونه يستحيل عدم كونه فلا بد من نسب أو صفات على مذهب الصفاتيين أو أسماء على مذهب آخرين فلا بد من الكثرة في العين الواحدة فلا بد من أحدية الكثرة على كل وجه من كل قائل بنسبة أو صفة أو اسم فليست أنوار الذات بشيء سوى الموجودات و هي سبحات الوجه لأنها عين الدلالة عليه سبحانه لنا و لهذا

قال ص من عرف نفسه عرف ربه فجعل نفس العارف إذا عرفها العارف دليلا على معرفة اللّٰه و النور دليل على نفسه و على ما يظهره للعين فبنور الموجودات ظهرت الموجودات و ظهر موجدها لها فما علمته إلا منها فهو المطلوب لها و الطلب يؤذن بالافتقار في حق المحدثات و هو المطلوب فهو الغني فمن كونه مطلوبا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 289
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست