responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 275

و هو ما انصبغ به الممكن من الطرفين و لو لا ما هو بهذه المثابة من الحفظ لعين الطرفين ما وصف الحق نفسه بما أوجبه على نفسه بقوله كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ و قال وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ جَزٰاءً وِفٰاقاً لما هو عليه الممكن من الوقاية و راعى المحال أيضا له ذلك فأفاض عليه من حقيقته فحفظ عليه عدمه و حفظ الحق عليه وجوده فاتصف الممكن بالوجود و العدم معا في الإثبات أي هو قابل لكل واحد منهما كما اتصف أيضا لهذا بأنه لا موجود و لا معدوم في النفي فجمع بينهما في وصفه بين النفي و الإثبات فلو كان موجودا لا يتصف بالعدم لكان حقا و لو كان معدوما لا يتصف بالوجود لكان محالا فهو الحافظ المحفوظ و الواقي الموقى فهذا الحد له لازم ثابت لا يخرج عنه و لهذا أيضا اتصف بالحيرة بين العدم و الوجود لعدم تخلصه إلى أحد الطرفين لأنه لذاته كان له هذا الحكم

فإن قلت حق كان قولك صادقا و إن قلت فيه باطل لست تكذب
فإذا علمت هذا فلنقل ما تجاوز فيه الناس من مسمى النور و الظلمة المعروفين في العرف ظاهرا كالأنوار المنسوبة إلى البروق و الكواكب و السرج و أمثال ذلك و الظلم المشهودة المعلومة المدركة ظاهرا للحس و أنوار الباطن المعنوية كنور العقل و نور الايمان و نور العلم و ظلمة الباطن كظلمة الجهل و الشرك و عدم العقل و الذي ليس بظلمة و لا نور كالشك و الظن و الحيرة و النظر فهذا أيضا ليس بظلمة و لا نور فهذه مجازاة حقائق الواجب و المحال و الممكن في عرف الممكنات فقد جمع الممكن بنفسه حقيقته و حقيقة طرفيه و أبين ما يكون ذلك في الممكن ما فيه من المعاني و المحسوسات و الخيالات و هذا المجموع لا يوجد حكمه إلا في الممكن لا في الطرفين أصلا فالعلم بالممكن هو بحر العلم الواسع العظيم الأمواج الذي تغرق فيه السفن و هو بحر لا ساحل له إلا طرفيه و لا يتخيل في طرفيه ما تتخيله العقول القاصرة عن إدراك هذا العلم كاليمين و الشمال لما بينهما ليس هذا الأمر كذلك بل إن كان و لا بد من التخيل فلتتخيل ما هو الأقرب بالنسبة لما ذكرناه أن الشأن في نفسه كالنقطة من المحيط و ما بينهما فالنقطة الحق و الفراغ الخارج عن المحيط العدم أو قل الظلمة و ما بين النقطة و الفراغ الخارج عن المحيط الممكن كما رسمناه مثالا في الهامش و إنما أعطينا النقطة لأنها أصل وجود محيط الدائرة و بالنقطة ظهرت كذلك ما ظهر الممكن إلا بالحق و المحيط من الدائرة إذا فرضت خطوطا من النقطة إلى المحيط لا تنتهي إلا إلى نقطة فالمحيط كله بهذه المثابة من النقطة و هو قوله وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ و قوله إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ فكانت كل نقطة من المحيط انتهاء الخط و النقطة الخارج منها الخط إلى المحيط ابتداء الخط ف‌ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ فهو أول لكل ممكن كالنقطة أول لكل خط و ما خرج عن وجود الحق و ما ظهر من الحق فذلك العدم الذي لا يقبل الوجود و الخطوط الخارجة الممكنات فمن اللّٰه ابتداؤها و إلى اللّٰه انتهاؤها وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فإن الخط إنما ينتهي إلى نقطة فأولية الخط و آخريته هما من الخط ما هما من الخط كيف شئت قلت و هذا هو الذي ينبغي أن يقال فيه لا هي هو و لا هي غيره كالصفات عند الأشاعرة فمن عرف نفسه هكذا عرف ربه و لهذا أحالك الشارع في العلم بالله على العلم بك و هو قوله سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا و هي الدلالات فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فما ترك شيئا من العالم فإن كل ما خرج من العالم عنك فهو عين الآفاق و هي نواحيك حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ لا غيره إذ لا غير و لهذا كان الخط مركبا من نقط لا تعقل إلا هكذا و السطح مركب من خطوط فهو مركب من نقط و الجسم

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 275
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست