responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 27

يعلمهم بما هو الأفضل عنده من هذه الأعمال و الأحب إليه ما تنازعوا و لو أنهم يكشفون ارتباط درجات الجنان بهذه الأعمال لحكموا بالفضيلة للأعلى منها و إنما اللّٰه سبحانه غيب عنهم ذلك فهم في هذه المسألة بمنزلة علماء البشر إذا قعدوا في مجلس مناظرة فيما بينهم في مسألة من الحيض الذي لا نصيب لهم فيه بخلاف المسائل التي لهم فيها نصيب و إنما قلنا ذلك لأن الكفارات إنما هي لإحباط ما خالف فيه المكلف ربه من أوامره و نواهيه و الملائكة قد شهد اللّٰه لهم بالعصمة أنهم لاٰ يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ به و ما بلغنا إن عندهم نهي و إذا لم يعصوا و كانوا مطيعين فليس لهم في أعمال الكفارات قدم فهم يختصمون فيما لا قدم لهم فيه و كذلك ما بقي من الأعمال التي لا قدم لهم فيها فهم مطهرون فلا يتطهرون فلا يتصفون في طهارتهم بالإسباغ و الإبلاغ في ذلك و غير الإسباغ و كذلك المشي إلى مساجد الجماعات لشهود الصلوات ليس لهم هذا العمل فإن قلت فإنهم يسعون إلى مجالس الذكر و يقول بعضهم لبعض هلموا إلى بغيتكم

[إن الذكر ما هو عين الصلاة]

فاعلم إن الذكر ما هو عين الصلاة و نحن إنما نتكلم في عمل خاص في الجماعة ليس لهم فيه دخول مثل ما لبني آدم فإنهم ليسوا على صور بنى آدم بالذات و إنما لهم التشكل فيهم و قد علم جبريل ع رسول اللّٰه ص الصلوات بالفعل و تلك من جبريل حكاية يحكيها للتعليم و التعريف بالأوقات و أما التعقيب أثر الصلوات فإنما ذلك للمصلين على هذه الهيئة المخصوصة التي ليست للملائكة فما اختصموا في أمر هو صفتهم فلهذا ضربنا مسألة الحيض مثلا و سبب ذلك أن الملائكة تدعو بنى آدم في لماتها إلى العمل الصالح و ترغبهم في الأفضل فلهذا اختصمت في الأفضل حتى تأمرهم به و بعد أن نبهناك على سبب الخصام فلنبين لك ما اختصموا فيه

[إن الكفارات إنما شرعت لتكون حجبا بين العبد و بين ما عرض إليه نفسه من حلول البلايا بالمخالفات]

فاعلم إن الكفارات إنما شرعت لتكون حجبا بين العبد و بين ما عرض إليه نفسه من حلول البلايا بالمخالفات التي عملها مأمورا كان بذلك العمل أو منهيا عنه فإذا جاء المنتقم بالبلاء المنزل الذي تطلبه هذه المخالفة وجدت هذه الأعمال قد سترته في ظل جناحها و اكتنفته و صارت عليه جنة و وقاية و الاسم الغفار حاكم هذه الكفارات فلم يجد البلاء منفذا فلم ينفذ فيه الوعيد لغلبة سلطان هذا العمل المسمى كفارة و الكفر الستر و منه سمي الزراع كافرا لأنه يستر البذر في الأرض و يغطيه بالتراب و

قد أشار إلى ذلك ص حيث قال في الزاني إن الايمان يخرج منه حتى يصير عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الايمان و ذلك أن الزاني أو المخالف في حال الزنا يطلبه البلاء و العقوبة من اللّٰه إما في حال الزنا أو عقبه فإن كان في حال الزنا فله من البلاء على قدر ما مضى منه فإنه قد يطرأ عارض يمنعه من تمام الفعل و هو إنزال الماء أو خروج الذكر من الفرج فيجد الايمان على الزاني كالظلة و هو حجاب قوي فلا يستطيع النفوذ معه و لا الوصول إليه فإذا كان الزاني في حال الزنا محفوظا معصوما من البلاء لشرف الايمان في الدنيا فما ظنك به في الآخرة فإن صولته في الآخرة أتم من حكمه في الدنيا فالكفارات كلها جنن هذه مرتبتها لا تزيد عليها و ما زاد على ذلك من درجة في الجنة أو منزلة فهو ما خرج في ذلك العمل من حد كونه كفارة و الكفارة لا ترفع الدرجات و إنما هي عواصم من هذه القواصم و أما قوله كفارات جمع كفارة ببنية المبالغة أنباء بذلك على أنه لصورة العمل الواحد أنواع كثيرة من البلاء و ذلك لأن العمل يتضمن حركات مختلفة و لكل حركة بلاء خاص من عند اللّٰه فيكون هذا العمل المكفر له في كل بلاء تطلبه المخالفة سترا يستره به من الوصول إليه و التأثير فيه فهو و إن كان مفردا للفظ فهو متكثر في المعنى و كذلك عمل الكفارة فهو واحد من حيث الاسم و هو كثير من حيث أجزاؤه فإن كان العمل لا يتجزأ كالتوبة التي هي مكفرة فالبلاء الخاص الذي تدفعه هذه التوبة هو بلاء واحد لا تعداد فيه و لا كثرة فإن الأمور الإلهية تجري على موازين إلهية قد وضعها اللّٰه في العالم و لا سيما في العقوبات فلا تطفيف فيها أصلا و إذا كان الشيء الواحد و إن لم يكن معصية كفارات مختلفة مثل الحاج يحلق رأسه لأذى يجده أو المتمتع أو المظاهر أو من حلف على يمين فرأى خيرا منها فإن مثل هذا له كفارات مختلفة أي عمل مكفر فعل سقط عنه الآخر فقام هذا العمل الواحد مقام ما بقي مما سقط عنه فإن كانت اليمين غموسا فإن الكفارة فيه ككفارة سائر الخطايا فيتصور خطاب الملائكة أي كفارات التخيير أولى بأن يفعل أو لما ذا تكون كفارة و ما عمل شيئا تجب أو تتوجه فيه العقوبة حتى تكون هذه الكفارة تدفعه فعن أي شيء تستره فالملأ الأعلى يختصمون في مثل هذا أيضا فالعالم صاحب

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست