responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 265

نظروا في ذلك هذا النظر الذي ذكرناه و إذا علمت هذا

[أن اللّٰه ما خلق الإنسان عالما بكل شيء]

فاعلم أيضا أن اللّٰه ما خلق الإنسان عالما بكل شيء بل أمر نبيه ص أن يطلب منه تعالى مزيد علم إذ قال له وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فهو في كل حال يستفيد من العلم ما به سعادته و كماله فالذي فطر عليه العالم و الإنسان من العلم العلم بوجود اللّٰه و العلم بفقر المحدث إليه فإذا كان هذا فلا بد لكل من هذه صفته أن يفر إلى اللّٰه لمشاهدة فقره و ما يعطيه حكم الفقر من الألم للنفس ليغنيه من انقطع إليه فربما يزيل عنه ألم الفقر بما به تقع اللذة له و هو الغني بالله و هو مطلب لا يصح حصوله أصلا لأنه لو استغنى أحد بالله لاستغنى عن اللّٰه و الاستغناء عن اللّٰه محال فالاستغناء بالله محال لكن اللّٰه يعطيه أمرا ما من الأمور التي يحدثها اللّٰه فيه عند هذا الطلب يغنيه به و يزيل عنه ما يجده من اللذة ألم ذلك الفقر المعين لا يزيل عنه ألم الفقر الكلي الذي لا يمكن زواله عن الممكن لأن الفقر له وصف ذاتي لا في حال عدم و لا في حال وجود و لهذا لم يجعل في نفس الممكن إلا ما إذا أعطاه ذلك وجد عنده لذة مزيلة ألم الطلب ثم يحدث له طلب آخر لأمر آخر أو لبقاء ذلك الحاصل له على الدوام دنيا و آخرة فلا بد لمن هذه حاله من تخل و فرار عن الأمور الشاغلة له عن هذا الأمر حتى يكشف اللّٰه عن بصيرته و بصره فيشاهد الأمر على ما هو عليه فيعلم عند ذلك كيف يطلب و ممن يطلب و من يطلب و أمثال هذا و يعلم معنى قوله إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أي المثنى عليه بالغنى و تدبر قوله وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ لأنه يستحيل عليه إن يعبد نفسه و لما قلناه أتى بالحميد لأن صفة الغني لا شيء أعلى منها و هي صفة ذاتية للحق تعالى فافهم الإشارة فالعبارة هنا حرام و إذا تقرر هذا علمت كون رسول اللّٰه ص كان يخلو بغار حرا ليتحنث فيه و يفر من مشاهدة الناس لما كان يجده في نفسه من الحرج و الضيق في مشاهدتهم فلو نظر إلى وجه الحق فيهم ما فر منهم و لا كان يخلو بنفسه و ما زال على هذه الحال حتى فجئه الحق فرجع إلى الخلق و لم يزل فيهم فإنه لم يزل في غار حرا مع نفسه فما زال إلا من بعض الناس لا من كل الناس فافهم فلا بد لكل طالب ربه أن يخلو بنفسه مع ربه في سره لأن اللّٰه ما جعل للإنسان ظاهرا و باطنا إلا ليخلو مع اللّٰه في باطنه و يشاهده في ظاهره في أسبابه بعد أن ينظر إليه في باطنه حتى يميزه في عين الأسباب و إلا فلا يعرفه أبدا فما يرجع من يرجع إلى الخلوة مع اللّٰه في باطنه إلا لأجل هذا فباطن الإنسان بيت خلوته لو عقل عن اللّٰه فلما علمت في أول الأمر إن الشأن على ما ذكرته تجردت عن هيكلي هذا تجردا علميا حاليا لجهلي بمكانة الحق من هذا الهيكل و عدم علمي بأن لله وجها خاصا في كل شيء فلما صرت عن هذا الهيكل أجنبيا نظرت إليه كأنه سبجة سوداء مظلم الأقطار لم أر فيه من النور شيئا فسألت عن هذه الظلمة من أين لحقت فقيل لي هذه ظلمة الطبيعة فإن الظلمات ثلاث تراكم بعضها على بعض حتى إذا أخرج أحد يده لم يكد يراها فأحرى إن لا يراها فنفى مقاربة الرؤية فكيف الرؤية فالظلمة حجاب إلهي يحجب عن وجود الحق فقلت ما هذه الظلمات الثلاث فقيل لي الظلمة الأولى المشهودة لك ظلمة الطبيعة فهي الطبقة الأولى التي تلي بصرك ثم إن هذه الطبيعة ما وجدت إلا في المرتبة الثالثة ففوقها ظلمة السبب الحادث الممكن التي وجدت عنها فهي وجود محدث عن محدث و هي النفس فهي الظلمة الثانية فاشتد ظلام الطبيعة و تضاعف بظلمة النفس فأشهدت النفس فرأيت ظلمة فوق ظلمة ثم قيل لي فوق هذه الظلمة الثانية ظلمة ثالثة و هي السبب الذي وجدت عنه هذه النفس و هو العقل الأول فكشف لي عنه فرأيت ظلاما متراكما بعضه فوق بعض فقلت أ فلهذا سبب آخر وجد عنه فقيل لي لا بل هذا أوجده الحق لا عند سبب فقلت فما باله مظلما فقيل لي هذه الظلمة له ذاتية و هي ظلمة إمكانه يستمدها من ظلمة الغيب الذي لا يقع عليه شهود كما يقع على المغيب فيه إذا ظهر منه و فارقه و صار شهادة فعن هذه الظلمات الثلاث كان الإنسان من حيث هو جسم حيواني في بطن أمه في ظلمات ثلاث ظلمة الرحم و ظلمة المشيمة و ظلمة البطن فإذا ولد اندرجت ظلمته فيه فكان ظاهره نورا و باطنه ظلمة فلا يتمكن له المشي في ظلمة باطنه إلا بسراج العلم إن لم يكن له هذا السراج فإنه لا يهتدي فيها فلما رأيت هيكلي و ظلمته علمت أنه لو لم يكن له نور بوجه ما ما صح نظري إليه و لا إدراكي إياه فسألت عن النور الذي أعده لتعلق رؤيتى به فقيل لي نور الوجود به رأيته فنظرت إلي من حيث إني رائي لتلك الظلمة فرأيت ظلها ينبسط علي و ما رأيت نوري يزيلها فتعجبت فقيل لي لا يزول عنك ظلام إمكانك فإنه نعت ذاتي لك فإنك لست

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 265
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست