responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 25

و هما الشفاعة و التجلي في الصور على طريق التحول فإذا تمكنت هذه الحالة في قلب الرجل و عرف من العلم الإلهي ما الذي دعا هؤلاء الذين صفتهم هذا و أنهم تحت قهر ما إليه يؤولون تضرعوا إلى اللّٰه في الدياجي و تملقوا له في حقهم و سألوه أن يدخلهم في رحمته إذا أخذت منهم النقمة حدها و إن كانوا عمار تلك الدار فليجعل لهم فيها نعيما به إذ كانوا من جملة الأشياء التي و سعتهم الرحمة العامة و حاشا الجناب الإلهي من التقييد و هو القائل بأن رحمته سبقت غضبه فلحق الغضب بالعدم و إن كان شيئا فهو تحت إحاطة الرحمة الإلهية الواسعة و

قد قال ص إن الأنبياء ص تقول يوم القيامة إذا سألوا في الشفاعة إن اللّٰه قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله و هذا من أرجى حديث يعتمد عليه في هذا الباب أيضا

[يوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين]

فإن اليوم الذي أشار إليه الأنبياء هو يوم القيامة و يوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين قال تعالى يَوْمَ يَقُومُ النّٰاسُ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ و في ذلك اليوم يكون الغضب من اللّٰه على أهل الغضب و أعطى حكم ذلك الغضب الأمر بدخول النار و حلول العذاب و الانتقام من المشركين و غيرهم من القوم الذين يخرجون بالشفاعة و الذين يخرجهم الرحمن كما

ورد في الصحيح و يدخلهم الجنة إذ لم يكونوا من أهل النار الذين هم أهلها و لم يبق في النار إلا أهلها الذين هم أهلها فعم الأمر بدخول النار كل من دخلها من أهلها و من غير أهلها لذلك الغضب الإلهي الذي لن يغضب بعده مثله فلو سرمد عليهم العذاب لكان ذلك عن غضب أعظم من غضب الأمر بدخولها و قد قالت الأنبياء إن اللّٰه لا يغضب بعد ذلك مثل ذلك الغضب و لم يكن حكمه مع عظم ذلك الغضب إلا الأمر بدخول النار فلا بد من حكم الرحمة على الجميع و يكفي من الشارع التعريف بقوله و أما أهل النار الذين هم أهلها و لم يقل أهل العذاب و لا يلزم من كان من أهل النار الذين يعمرونها أن يكونوا معذبين بها فإن أهلها و عمارها مالك و خزنتها و هم ملائكة و ما فيها من الحشرات و الحيات و غير ذلك من الحيوانات التي تبعث يوم القيامة و لا واحد منهم تكون النار عليه عذابا كذلك من يبقى فيها لا يموتون فيها و لا يحيون و كل من ألف موطنه كان به مسرورا و أشد العذاب مفارقة الوطن فلو فارق النار أهلها لتعذبوا باغترابهم عما أهلوا له و إن اللّٰه قد خلقهم على نشأة تألف ذلك الموطن فعمرت الداران و سبقت الرحمة الغضب و وسعت كل شيء جهنم و من فيها و اللّٰه أرحم الراحمين كما قال عن نفسه و قد وجدنا في نفوسنا ممن جبلهم اللّٰه على الرحمة أنهم يرحمون جميع عباد اللّٰه حتى لو حكمهم اللّٰه في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم و صاحب هذه الصفة أنا و أمثالي و نحن مخلوقون أصحاب أهواء و أغراض و قد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين فلا نشك أنه أرحم منا بخلقه و نحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة فكيف يتسرمد عليهم العذاب و هو بهذه الصفة العامة من الرحمة إن اللّٰه أكرم من ذلك و لا سيما و قد قام الدليل العقلي على إن الباري لا تنفعه الطاعات و لا تضره المخالفات و أن كل شيء جار بقضائه و قدره و حكمه و أن الخلق مجبورون في اختيارهم و قد قام الدليل السمعي إن اللّٰه يقول في الصحيح يا عبادي فأضافهم إلى نفسه و ما أضاف اللّٰه قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة أن لا يؤيد عليهم الشقاء و إن دخلوا النار

فقال يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا فقد أخبر بما دل عليه العقل أن الطاعات و المعاصي ملكه و أنه على ما هو عليه لا يتغير و لا يزيد و لا ينقص ملكه مما طرأ عليه و فيه فإن الكل ملكه و ملكه

ثم قال من تمام هذا الخبر الصحيح يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد و سألوني فأعطيت كل واحد منكم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا الحديث و لا شك أنه ما من أحد إلا و هو يكره ما يؤلمه طبعا فما من أحد إلا و قد سأله أن لا يؤلمه و أن يعطيه اللذة في الأشياء و لا يقدح ما أومأنا إليه فيه قوله في الحديث إذا تعلق به المنازع في هذه المسألة إدخال لو في ذلك فإن السؤال من العالم في ذلك قد علم وقوعه بالضرورة من كل مخلوق فإن الطبع يقتضيه و السؤال قد يكون قولا و حالا كبكاء الصغير الرضيع و إن لم يعقل عند وجود الألم الحسي بالوجع أو الألم النفسي بمخالفة الغرض إذا منع من الثدي و قد أخذت المسألة حقها و الأحوال التي ترد على قلوب الرجال لا تحصى كثرة و قد

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 25
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست