responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 24

فيلحق ذلك في هذا الموضع من هذا الكتاب فإن بعد عن فهمك ما ذكرناه من تعداد الصور

فقد ورد في الخبر المشهور الحسن الغريب أن اللّٰه تجلى لآدم ع و يداه مقبوضتان فقال له يا آدم اختر أيتهما شئت فقال اخترت يمين ربي و كلتا يدي ربي يمين مباركة قال فبسطها فإذا آدم و ذريته فنظر إلى شخص من أضوئهم أو أضوئهم فقال من هذا يا رب فقال اللّٰه له هذا ابنك داود فقال يا رب كم كتبت له فقال أربعين سنة فقال يا رب و كم كتبت لي فقال اللّٰه ألف سنة فقال يا رب فقد أعطيته من عمري ستين سنة قال اللّٰه له أنت و ذاك فما زال يعد لنفسه حتى بلغ تسعمائة و أربعين سنة فجاءه ملك الموت ليقبض روحه فقال له آدم إنه بقي لي ستون سنة فأوحى اللّٰه إلى آدم أي يا آدم إنك وهبتها لابنك داود فجحد آدم فجحدت ذريته و نسي آدم فنسيت ذريته قال رسول اللّٰه ص فمن ذلك اليوم أمر بالكتاب و الشهود فهذا آدم و ذريته صور قائمة في يمين الحق و هذا آدم خارج عن تلك اليد و هو يبصر صورته و صور ذريته في يد الحق فما لك تقربه في هذا الموضع و تنكره علينا فلو كان هذا محالا لنفسه لم يكن واقعا و لا جائزا بالنسبة إذ الحقائق لا تتبدل فاعلم ذلك و أكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال اللّٰه فيهم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاٰ يَعْقِلُونَ و أخذ اللّٰه الصور من ظهر آدم و آدم فيهم و أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ بمحضر من الملإ الأعلى و الصور التي لهم في كل مجلى أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ فشهد على نطقهم من حضر ممن ذكرنا بالإقرار بربوبيته عليهم و عبوديتهم له فلو كان له شريك فيهم لما أقروا بالملك له مطلقا فإن ذلك موضع حق من أجل الشهادة فنفس إطلاقهم بالملك له بأنه ربهم هو عين نفي الشريك و إنما قلنا ذلك لأنه لم يجر للتوحيد هنا لفظ أصلا و لكن المعنى يعطيه و لما كان الموت سببا لتفريق المجموع و فصل الاتصالات و شتات الشمل سمي التفريق الذي هو بهذه المثابة موتا فقال تعالى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ أي كنتم متفرقين في كل جزء من عالم الطبيعة فجمعكم و أحياكم ثم يميتكم أي يردكم متفرقين أرواحكم مفارقة لصور أجسامكم ثم يحييكم الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد مفارقة الدنيا و إن اللّٰه سيذكر عباده يوم القيامة بما شهدوا به على أنفسهم في أخذ الميثاق فيقولون رَبَّنٰا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنٰا بِذُنُوبِنٰا فَهَلْ إِلىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ أي كما قبلنا حياة بعد موت و موتا بعد حياة مرتين فليس بمحال أن نقبل ذلك مرارا فطلبوا من اللّٰه أن يمن عليهم بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا ما يورثهم دار النعيم و حين قالوا هذا لم يكن الأمد المقدر لعذابهم قد انقضى و لما قدر اللّٰه أن يكونوا أهلا للنار و أنه ليس لهم في علم اللّٰه دار يعمرونها سوى النار قال تعالى وَ لَوْ رُدُّوا لَعٰادُوا لِمٰا نُهُوا عَنْهُ حتى يدخلوا النار باستحقاق المخالفة إلى أن يظهر سبق الرحمة الغضب فيمكثون في النار مخلدين لا يخرجون منها أبدا على الحالة التي قد شاءها اللّٰه أن يقيمهم عليها و فيها يرد اللّٰه الذرية إلى أصلاب الآباء إلى أن يخرجهم اللّٰه إلى الحياة الدنيا على تلك الفطرة فكانت الأصلاب قبورهم إلى يوم يبعثون من بطون أمهاتهم و من ضلع آبائهم في الحياة الدنيا ثم يموت منهم من شاء اللّٰه أن يموت ثم يبعث يوم القيامة كما وعد و اختلف أصحابنا في الإعادة هل تكون على صورة ما أوجدنا في الدنيا من التناسل شخصا عن شخص كما قال كَمٰا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ بجماع و حمل و ولادة في آن واحد للجميع و هو مذهب أبي القاسم بن قسي أو يعودون روحا إلى جسم و هو مذهب الجماعة و اللّٰه أعلم

[أحوال الفطرة التي فطر اللّٰه الخلق عليها]

و اعلم أن من الأحوال التي هي أمهات في هذا الباب فإن تفاصيل الأحوال لا تحصى كثرة و لكن نذكر منها الأحوال التي تجري مجرى الأمهات فمنها أحوال الفطرة التي فطر اللّٰه الخلق عليها و هو أن لا يعبدوا إلا اللّٰه فبقوا على تلك الفطرة في توحيد اللّٰه فما جعلوا مع اللّٰه مسمى آخر هو اللّٰه بل جعلوا آلهة على طريق القربة إلى اللّٰه و لهذا قال قُلْ سَمُّوهُمْ فإنهم إذا سموهم بان أنهم ما عبدوا إلا اللّٰه فما عبد كل عابد إلا اللّٰه في المحل الذي نسب الألوهية له فصح بقاء التوحيد لله الذي أقروا به في الميثاق و أن الفطرة مستصحبة و السبب في نسبة الألوهية لهذه الصور المعبودة هو أن الحق لما تجلى لهم في أخذ الميثاق تجلى لهم في مظهر من المظاهر الإلهية فذلك الذي أجرأهم على أن يعبدوه في الصور و من قوة بقائهم على الفطرة إنهم ما عبدوه على الحقيقة في الصور و إنما عبدوا الصور لما تخيلوا فيها من رتبة التقريب كالشفعاء و هاتان الحقيقتان إليهما مال الخلق في الدار الآخرة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 24
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست