responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 164

محل يخاف و يرجى و باطنا بما نظروا فيه مما قاله لهم فلما أخذ قلوبهم بالكلية إليه و لم يبق لله فيهم نصيب يعصمهم أغضبوا اللّٰه فغضب فانتقم فكان حكمهم في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه فإنه علم صدق موسى ع و علم حكم اللّٰه في ظاهره بما صدر منه و حكم اللّٰه في باطنه بما كان يعتقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه و كان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند اللّٰه مخصوصا بزمان مؤقت لا يكون إلا فيه و بحالة خاصة فظهر بالإيمان لما جاء زمانه و حاله فغرق قومه آية و نجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية فمن رحمة اللّٰه بعباده أن قال فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ يعني دون قومك لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً أي علامة لمن آمن بالله أن ينجيه اللّٰه ببدنه أي بظاهره فإن باطنه لم يزل محفوظا بالنجاة من الشرك لأن العلم أقوى الموانع فسوى اللّٰه في الغرق بينهم و تفرقا في الحكم فجعلهم سلفا و مثلا للآخرين يعني الأمم الذين يأتون من بعدهم و خص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى اللّٰه بالنجاة و لما كان الاختصاص الإلهي الكامل في الجمع بين السعادة و الصورة كان الكمال للمؤمن بالخلافة في المكان الذي من شأنه أن يظهر فيه كمال الصورة من نفوذ الاقتدار عند الإغضاب و ليست الجنة بمحل لهذه الصفة فليست بدار خلافة بل هي دار ولاية محكوم على صاحب تلك الولاية بأمر لا يتعداه و لا تعطي نشأته أن يقبل سواه حتى لو كان فيها تقديرا من شأنه أن يغضب ما قبل صاحب الولاية صفة الغضب لأنه على مزاج خاص بخلاف نشأة الدنيا و لهذا قال إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و لم يقل في العالم و لو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود فكان ما ابتلوا به عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا الراسخون في العلم : و هكذا كل انتقام إلهي يقع بالعالم لا يكون إلا بعد إغضاب لأن اللّٰه خلق العالم بالرحمة و ليس من شأنها الانتقام كما إن الغضب من شأنه الانتقام لكنه أعني الغضب على طبقات فيظهر الانتقام على ميزانه من غير زيادة و لا نقصان و لا يقع الانتقام أبدا إلا تطهيرا لمن كان منه الإغضاب فلذلك لا يكون الانتقام إلى غير نهاية بل ينتهي الحكم به إلى أجل مسمى عند اللّٰه و تعقبه الرحمة به لأن لها الحكم الأبدي الذي لا يتناهى و من جعل باله لما ذكرناه و دقق النظر فيه رأى علما كبيرا إلهيا من سريان العدل في الحكم الإلهي و شمول الفضل و سبق الرحمة الغضب و إن الحق يجري في حكمه بما هي الحقائق عليه إذ الحقائق لا تتبدل لأنفسها و لا تتحول فهذا الذي ذكرناه في هذه المسألة من الآيات التي جاء بها الحق على لسان المترجم لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ و لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ليست لغير هذا الصنف فحافظ على تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى تجتنبه فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد و هو كان علم حذيفة بن اليمان صاحب رسول اللّٰه ص و لهذا كان أصحاب رسول اللّٰه ص يسمونه صاحب السر لعلمه بهذا العلم و ليس فيما يمنح اللّٰه أولياءه من العلم به في حقهم أنفع من هذا العلم و ما رأيت أحدا له فيه ذوق و لا سمعت عن أحد من أهل اللّٰه تعالى بعد حذيفة من ظهر عليه حكم هذا العلم و هو عصمة خفية تكاد لا يشعر صاحبها بها و ما في الكشف أتم منه و لا يرزق اللّٰه هذا العلم إلا للادباء أهل المراقبة فإنهم يأخذون الأشياء بحكم المطابقة و المناسبة بين الرب و المربوب و الخالق و المخلوق و لا يحكم عليهم حاكم الإمكان و الجواز لأنه ليس له في هذه الحضرة قدم و لا عين أعني الإمكان و هذا مقام وراء طور العقل لأن العقل يحكم في مثل هذا بالإمكان و الأمر في نفسه ليس كذلك و لكن إذا شهده قبله و إذا فكر فيه أدخله تحت الإمكان و يختص هذا المنزل من العلوم بعلم الإيهام و الإبهام و الرموز و الألغاز و الأسرار و فيه علم الحروف المركبة التي هي الكلمة و فيه علم الأنوار و ما يختص به عالم الشهادة من الشهود و فيه علم الجعل و فيه علم الجمع و التفصيل و فيه علم منازل العلو في الأسماء الإلهية و أحكامها و فيه علم الإعجاز و فيه علم التقرير و فيه علم نتائج الجهل و هو أمر عدمي فكيف يكون له حكم وجودي و فيه علم مقابلة الاقتدار بالاقتدار و فيه علم سريان وجود الحق في العالم و لهذا ما أنكره أحد و إنما وقع الغلط من طلب الماهية فادى إلى الاختلاف فيه الذي ظهر في العالم و فيه علم ما يختص به الحق تعالى لنفسه من غير أن يكون له حكم في العالم و فيه علم الشرائع كلها و أنها بالجعل و لهذا تجري إلى أمد و غايتها حكم الحق بها في القيامة في الفريقين فإذا عمرت الداران و انقضى أمد العقوبة انتشر حكم الرحمة و فيه علم الشفع و الوتر و تقدم علم الزوج على الفرد و علم الحامل و المحمول و علم شمول النعم في البلايا و الرزايا و الأمور المؤلمة و فيه علم نفي الطاقة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 164
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست