responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 118

فهذا سعد و إن شقي به آخرون فلا جناح عليه و لا حرج لأنه سكران و هم المسئولون و مثل هذا أيضا يلحق بأهل السعادة و إن ضل به عالم فما إضلالهم بمقصود له فهؤلاء أصناف ثلاثة ادعوا الألوهة لأنفسهم فشقي بها واحد من الثلاثة و سعد اثنان و أما الطائفة الأخرى فادعيت فيها الألوهة و لم تدعها لنفسها كالأحجار و النبات و الحيوان و بعض الأناسي و الأملاك و الكواكب و الأنوار و الجن و جميع من عبد و اتخذ إلها من غير دعوى منه فهؤلاء كلهم سعداء و الذين اتخذوهم إذا ماتوا على ذلك أشقياء و من هؤلاء تقع البراءة يوم القيامة من الذين اتخذوهم آلهة من دون اللّٰه ما لم يتوبوا قبل الموت ممن يقبل صفة التوبة و ليس إلا الجن و هذا النوع الإنساني و مهما علم بذلك المتخذ و لم ينصح و لا وقعت منه البراءة هنا مع كونه لم يدع ذلك و لكنه سكت فإذا عذب اللّٰه غدا المشركين الذين ذكرهم اللّٰه أنه لا يغفر لهم فإنما يعذبهم من حيث إنهم ظلموا أنفسهم و وقعوا في خلق بكلام و دعوى ساءتهم و توجهت منهم عليهم حقوق في أغراضهم يطلبونهم بها فمؤاخذة المشركين لحق الغير لا من جهة نفسه تعالى و ظلم أنفسهم أعظم من ظلم الغير عند اللّٰه بدليل ما جاء في الذي يقتل نفسه من تحريم الجنة عليه فعظم الوعيد في حقه فإذا كان يوم القيامة و أدخل المشركون دار الشقاء و هي جهنم أدخل معهم جميع من عبدوه إلا من هو من أهل الجنة و عمارها فإنهم لا يدخلون معهم لكن تدخل معهم المثل التي كانوا يصورونها في الدنيا فيعبدونها لكونها على صورة من اعتقدوا فيه أنه إله فهم يدخلون النار للعقاب و الانتقام و المعبودون يدخلونها لا للانتقام فإنهم ما ادعوا ذلك و لا المثل و إنما أدخلوها نكاية في حق العابدين لها فيعذبهم اللّٰه بشهودهم إياهم حتى يعلموا أنهم لا يغنون عنهم من اللّٰه شيئا : لكونهم ليسوا بآلهة كما ادعوه فيهم قال تعالى إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهٰا وٰارِدُونَ و قد قرئ حطب جهنم و قال وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ و قال لَوْ كٰانَ هٰؤُلاٰءِ آلِهَةً مٰا وَرَدُوهٰا و قال فيمن عبد من أهل السعادة كمحمد و عيسى ع و الخلفاء من بعده و من ذكرناه من مدع عن صحو و عن سكران اَلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنىٰ أُولٰئِكَ عَنْهٰا مُبْعَدُونَ لاٰ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهٰا وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خٰالِدُونَ فمن كان مشتهاه ربه فهذه صفته و إنما قال لاٰ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهٰا وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خٰالِدُونَ لما يؤثر ذلك السماع في صاحبه من الخوف لأنه ليس هو في تلك الحال بصاحب غضب فيلتذ بالانتقام فإن الغضب لله إنما يقع في دار التكليف و هنالك لا نصيب للغضب في السعداء فإنه موطن شفاعة و شفقة و رحمة من السعداء فلا يغضب في ذلك الموطن إلا اللّٰه و السعداء مشغولون بالله في تسكين ذلك الغضب الإلهي بما تعطيه أنواع التسكين كما

يقول محمد ص في بعض المواطن سحقا سحقا طلبا للتسكين و الموافقة ثم بعد ذلك يشفع في تلك الطائفة عينها لتنوع ما يظهر الحق به في ذلك الموطن فمن سمع حسيسها من السعداء الأكابر أثر ذلك السماع فيهم خوفا على أممهم لا على نفوسهم فإذا بلغت بهم العقوبة حدها و انقضت فيهم بالعدل مدتها جسدت أهواؤهم التي بها عبدوا غير اللّٰه على صور ما اعتقدوه إلها حين عبدوه و على صور بواطنهم فوقع العذاب بصور مجسدة ليبقى حكم الأسماء دائما و يبقى سكان الدار من الناس حيث هم أهلها في نعيم بها ينظرون إلى صور أهوائهم معذبة فينعمون بها فإنها دار تتجسد فيها المعاني صورا قائمة يشهدها البصر كالموت في صورة كبش أملح فيذبحه يحيى ع بين الجنة و النار لأن الحياة ضد الموت فلا يزول الموت إلا بوجود الحياة و بهذه الصور المخلوقة يكون ملء النار و الجنة فإنه أخبر الجنة و النار أنه سبحانه يملأ كل واحدة فقال لهما إن لكل واحدة منكما ملأها فإذا نزلوا فيها و بقي منها أماكن لم يبلغها عمارة أهلها أنشأ إرادات أهل الدارين صورا قائمة ملأهما بها و هذه الصور من الفرقتين المعبر عنهما بالقدمين ففي أهل السعادة أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي سابق عناية بأن يخلق إرادتهم طاعة اللّٰه و عبادته صورا متجسدة و أعمالهم و قد ورد أن أعمال العباد ترد عليهم في قبورهم في صور حسنة تؤنسهم و في صور قبيحة توحشهم فتلك الصور تدخل معهم في دار السعادة و الشقاء و بها يكون ملؤهما و أما دار الشقاء إذا طلبت ملأها من اللّٰه وضع فيها الجبار قدمه فلهم قدم أيضا كما كان لأهل السعادة أي سابق عناية يظهر العذاب في ذلك القدم و هو أهواؤهم فدار السعداء التي هي الجنة نعيم كلها ليس فيها شيء يغاير النعيم و دار الأشقياء ممتزجة بين منعم و معذب فإن فيها ملائكة العذاب لهم نعيم في تعذيب من سلطهم اللّٰه عليه فلا نعيم لهم إلا بالانتقام

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 118
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست