responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 685



لا سيما و كونها واجبا لأنها دلت على العلم
بعينها و كل علم لها لذاتها كالكيف و الكم
فضلها اللّٰه على خلقه بما لها من جودة الفهم
فمن راعى حفظ هذي القوي مما ينالها من الضرر لسد المسام و انعكاس الأبخرة المؤذية لها المؤثرة فيها قال بالغسل و من غلب الحرمة لصغر الزمان في ذلك و ندور الضرر ضعف عنده الموجب فكره ذلك أ لا تراهم كيف أنفقوا في الجنابة لقوة الموجب و إن كان الغسل بالماء يزيده شعثا في تلبيد الرأس و اللّٰه تعالى قد أمرنا بإلقاء التفث عنا لما ذكرناه من حفظ القوي و ما في معناها لأن الطهارة و النظافة مقصودة للشارع لأنه القدوس و ما له اسم يقابله فيكون له حكم

[التنزيه الأقوى في الجناب الإلهى]

و لما جهل علماء الرسوم حكمة هذه العبادة من حيث إنهم ليس لهم كشف إلهي من جانب الحق جعلوا أكثر أفعالها تعبدا و نعم ما فعلوه فإن هذا مذهبنا في جميع العبادات كلها مع عقلنا بعلل بعضها من جهة الشرع بحكم التعريف أو بحكم الاستنباط عند أصحاب القياس و مع هذا كله فلا نخرجها عن أنها تعبد من اللّٰه إذ كانت العلل غير مؤثرة في إيجاد الحكم مع وجود العلة و كونها مقصودة و هذا أقوى في تنزيه الجناب الإلهي إذا فهمت

(وصل في فصل غسل المحرم رأسه بالخطمي)

أما غسل المحرم رأسه بالخطمي فإنهم اتفقوا على منعه فإن غسل به قال بعضهم فيه الفداء و قال بعضهم إن غسل فلا شيء عليه و به أقول من غير منع منه و لا من غيره

[كل سبب موجب للنظافة ينبغي استعماله]

إذ كل سبب موجب للنظافة ظاهرا و باطنا ينبغي استعماله في كل حال

فإن اللّٰه جميل يحب الجمال و ما ورد كتاب و لا سنة و لا إجماع على منع المحرم من غسل رأسه بشيء

[من حقيقة الصورة التي خلق عليها الإنسان العزة]

و لما أمر اللّٰه تعالى الإنسان أن يدخل في الإحرام فيصير حراما بعد ما كان حلالا وصفه بصفة العزة أن يصل إليه شيء من الأشياء التي كانت تصل إليه قبل أن يتصف بهذه المنعة إذ الأشياء تطلب الإنسان لأنها خلقت من أجله فهي تطلبه بالتسخير الذي خلقها اللّٰه عليه و الإنسان مخلوق على الصورة و من حقيقة الصورة التي خلق عليها العزة أن تدرك أو تنال بأكثر الوجوه مثل قوله تعالى لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ يعني في الدنيا وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ مع ثبوت الرؤية في الآخرة فهذه عزة إضافية لأنه حجر ثم أباح فجعل لمن حصل الصورة بخلقه عزة و تحجيرا في عبادات من صوم و حج و صلاة أن يصل إليه بعض ما خلق من أجله فاعتز و امتنع عن بعض الأشياء و لم يمتنع عن أن يناله بعضها كما لم يمنع من خلق على صورته أن تناله التقوى منا : و التقوى في المتقين من خلقه فقوى الشبهة في الشبه ليلحق الأدلة بالشبه إذ الكل منه و إليه بل الكل عينه

[ما حرمت الأشياء على الإنسان بل هو حرام عليها]

فما حرمت عليه الأشياء على الحقيقة و إنما هو الحرام على الأشياء لأنه ما خلق إلا لربه و الأشياء خلقت له فهي تطلبه كما أنه يطلب ربه فامتناع في وقت كامتناع و وصول في وقت كوصول إن فهمت فقد بينت لك مرتبتك قال تعالى في حق الإنسان وَ سَخَّرَ لَكُمْ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ و قال هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً و قال وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ و

في التوراة المنزلة على موسى عليه السلام يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك و خلقتك من أجلي فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك فأبان سبحانه لك عن مرتبتك لتعرف موطن ذلتك من موطن عزتك و أنت ما اعتززت و لا صرت حراما على الأشياء منك بل هو جعلك حراما على الأشياء إن تنالك فأمرك أن تحرم فدخلت في الإحرام فصرت حراما و ما جعل ذلك لك عن أمره سبحانه إلا ليكون ذلك قربة إليه و مزيد مكانة عنده تعالى و حتى لا تنسى عبوديتك التي خلقت عليها بكونه تعالى جعلك مأمورا في هذه المنعة دواء لك نافعا يمنع من علة تطرأ عليك لعظيم مكانتك فلا بد أن يؤثر فيك خلقك على صورته عزة في نفسك فشرعها لك في طاعته بأمر أمرك فيه أن تكون حراما لا احتجار عليك بل احتجارا لك

[الإنسان عبد عينا و رتبة سيد عينا لا رتبة]

أ لا ترى من خذله اللّٰه كيف اعتز على أمثاله بقوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ هل جعله في ذلك إلا علمه بمرتبته لا علمه بنفسه فالإنسان عبد عينا و رتبة كما هو سيد عينا لا رتبة و لهذا إذا ادعى الرتبة قصم و حرم و إذا ادعى العين عصم و رحم و الإنسان واحد في الحقيقة غير أنه ما بين معتنى به و غير معتنى به فهذا اعتبار هذا الفصل وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى الجزء الرابع و الستون

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 685
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست