responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 55

في هذا الباب حتى نستوفيه في داخل الكتاب إن شاء اللّٰه تعالى و سأذكر في هذا الباب بعد هذا التتميم ما يكون من الحروف حارا رطبا و ذلك لأنه دار به فلك غير الفلك الذي ذكرناه في أول الباب فاعلم إن الحرارة و الرطوبة هي الحياة الطبيعية فلو كان لها فلك كما لأخواتها في المزجة لانقضت دورة ذلك الفلك و زال سلطانه كما يظهر في الحياة العرضية و كانت تنعدم أو تنتقل و حقيقتها تقضي بأن لا تنعدم فليس لها فلك و لهذا أنبأنا الباري تعالى إِنَّ الدّٰارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوٰانُ و أن كل شيء يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فصار فلك الحياة الأبدية الحياة الأزلية تمدها و ليس لها فلك فتنقضي دورته فالحياة الأزلية ذاتية للحي لا يصح لها انقضاء فالحياة الأبدية المعلولة بالحياة الأزلية لا يصح لها انقضاء

[الحياة الذاتية للأرواح]

أ لا ترى الأرواح لما كانت حياتها ذاتية لها لم يصح فيها موت البتة و لما كانت الحياة في الأجسام بالعرض قام بها الموت و الفناء فإن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في الأرض من الشمس فإذا مضت الشمس تبعها نورها و بقيت الأرض مظلمة كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي و بقي الجسم في صورة الجماد في رأى العين فيقال مات فلان و تقول الحقيقة رجع إلى أصله مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ كما رجع أيضا الروح إلى أصله حتى البعث و النشور يكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق فتلتئم أجزاؤه و تتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جدا تحرك الأعضاء للتأليف اكتسبته من التفات الروح فإذا استوت البنية و قامت النشأة الترابية تجلى له الروح بالرقيقة الإسرافيلية في الصور المحيط فتسري الحياة في أعضائه فيقوم شخصا سويا كما كان أول مرة ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهٰا كَمٰا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ فأما شقي و إما سعيد : *

[امتزاج الأمهات الأول]

و اعلم أن في امتزاج هذه الأصول عجائب فإن الحرارة و البرودة ضدان فلا يمتزجان و إذا لم يمتزجا لم يكن عنهما شيء و كذلك الرطوبة و اليبوسة و إنما يمتزج ضد الضد بضد الضد الآخر فلا يتولد عنها أبدا إلا أربعة لأنها أربعة و لهذا كانت اثنان ضدين لاثنين فلو لم تكن على هذا لكان التركيب منها أكثر مما تعطيه حقائقها و لا يصح أن يكون التركيب أكثر من أربعة أصول فإن الأربعة هي أصول العدد فالثلاثة التي في الأربعة مع الأربعة سبعة و الاثنان التي فيها مع هذه السبعة تسعة و الواحد الذي في الأربعة مع هذه التسعة عشرة و ركب ما شئت بعد هذا و ما تجد عددا يعطيك هذا إلا الأربعة كما لا تجد عددا تاما إلا الستة لأن فيها النصف و السدس و الثلث فامتزجت الحرارة و اليبوسة فكان النار و الحرارة و الرطوبة فكان الهواء و البرودة و الرطوبة فكان الماء و البرودة و اليبوسة فكان التراب فانظر في تكون الهواء عن الحرارة و الرطوبة و هو النفس الذي هو الحياة الحسية و هو المحرك لكل شيء بنفسه للماء و الأرض و النار و بحركته تتحرك الأشياء لأنه الحياة إذ كانت الحركة أثر الحياة فهذه الأربعة الأركان المولدة عن الأمهات الأول ثم لتعلم إن تلك الأمهات الأول تعطي في المركبات حقائقها لا غير من غير امتزاج فالتسخين عن الحرارة لا يكون عن غيرها و كذلك التجفيف و التقبض عن اليبوسة فإذا رأيت النار قد أيبست المحل من الماء فلا تتخيل أن الحرارة جففته فإن النار مركبة من حرارة و يبوسة كما تقدم فبالحرارة التي فيها تسخن الماء و باليبوسة وقع التجفيف و كذلك التليين لا يكون إلا عن الرطوبة و التبريد عن البرودة فالحرارة تسخن و البرودة تبرد و الرطوبة تلين و اليبوسة تجفف فهذه الأمهات متنافرة لا تجتمع أبدا إلا في الصورة و لكن على حسب ما تعطيه حقائقها و لا يوجد منها في صورة أبدا واحد لكن يوجد إما حرارة و يبوسة كما تقدم من تركيبها و أما أن توجد الحرارة وحدها فلا لأنها لا يكون عنها على انفرادها إلا هي

(وصل)فإن الحقائق
على قسمين

حقائق توجد مفردات في العقل كالحياة و العلم و النطق و الحس و حقائق توجد بوجود التركيب كالسماء و العالم و الإنسان و الحجر فإن قلت فما السبب الذي جمع هذه الأمهات المتنافرة حتى ظهر من امتزاجها ما ظهر فهنا سر عجيب و مركب صعب يحرم كشفه لأنه لا يطاق حمله لأن العقل لا يعقله و لكن الكشف يشهده فلنسكت عنه و ربما نشير إليه من بعيد في مواضع من كتابي هذا يتفطن إليه الباحث اللبيب و لكن أقول أراد المختار سبحانه أن يؤلفها لما سبق في علمه خلق العالم و إنها أصل أكثره أو أصله إن شئت فألفها و لم تكن موجودة في أعيانها و لكن أوجدها مؤلفة لم

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست