اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 610
وكون الصادر
علما مستغنيا عن الاكتساب للتفادي عن المحذورين ، ثم إن هذا اللازم معلوم الانتفاء
لكل منصف ذي بصيرة ، فيقال : إن سلم لكم ما ذكرتموه في توجيه ما ألزمتم ، فهو ألزم
لكم فيما إذا كانت العلوم عن آخرها مبرأة عن الاكتساب ، وهذا النوع الذي قد أردنا
التنبيه عليه هو فوائد ، لئن أخذنا بك في شعبها ، وإنها لربما ضربت بعروقها إلى
علوم لست من عالمها ، لتهيمن في أودية الحيرة ، خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت ،
فالرأي الرصين الترك عن آخرها ، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو : بيان
حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول :
المستثنى منه : حقيقة أو مجاز؟
إن أصحابنا في
علم النحو ، حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ، ويعنون
أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها ، وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل
غير صحيح ، فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم ، كونه داخلا في حكم المستثنى
منه ، وأن قولهم : لفلان علي عشرة دراهم إلا واحدا ، يستدعي دخول الواحد في حكم
العشرة قبل إلا ، لكن دخول الواحد في حكم العشرة ، متى قدر من قبل المتكلم ، ناقض
آخر الكلام أوله ، كما يشهد له الحال ؛ وقد سبق الكلام في التناقض ، فيلزم تقديره
من قبل السامع.
وأن يكون
استعمال المتكلم للعشرة مجازا في التسعة ، وأن يكون إلا واحدا قرينة المجاز ،
ويفرع على اعتبار الدخول كون الاستثناء متصلا ، مثل : جاءني إخوتك إلا الأكبر ، أو
قومك إلا زيدا منهم ، أصلا دون كونه منقطعا ، مثل : جاءني القوم إلا حمارا ، وكون
كون دخول المستثنى في حكم المستثنى منه واجبا ، مثل ما سبق أصلا دون ما لا يكون
واجبا ، مثل قولك : اضرب قوما إلا عمرا ، إذ لا يخفى أن دخول عمرو في حكم الضرب لا
يجب وجوب دخول الواحد في العشرة ، أو الأكبر أو زيد في إخوتك وقومك ، ويفرع على
اعتبار المجاز كون كون المستثنى أقل من المستثنى منه ، الباقي بعد الاستثناء ، مثل
الأمثلة المذكورة أصلا ، نحو : لفلان علي عشرة إلا تسعة ، لكون الدخول الذي هو سبب
الاستثناء مراعى في الأول ، وكون الدخول المراعى مع الوجوب أظهر منه عند عدم
الوجوب في الثاني ، وكون تنزيل الأكثر منزلة الكل ،
اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 610