اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 520
ولم يقل : يظل
قصدا إلى زمان له مزيد اختصاص بالفواحش ، وهو الليل. وقول ابن هانئ [١] :
فما جازه جود
، ولا حلّ دونه ...
ولكن يصير
الجود حيث يصير
فإنه أراد أن
يجمع الجود ، لا على سبيل التصريح ، ويثبته للممدوح ، لا على سبيل التصريح أيضا ،
فعمد إلى نفس الجود ، فنفى أن يكون متوزعا يقوم منه جزء بهذا وجزء بذلك ، فنكّر
الجود قصدا إلى فرد من أفراد الحقيقة ، ونفى أن يجوز ممدوحه ، فقال : فما جازه جود
بالتنكير كما ترى ، تنبيها بذلك على أن لو جازه لكان قائما بمحل هناك ، لامتناع
قيامه بنفسه ، ثم لمثل هذا قال : خ خ ولا حلّ دونه ، كناية بذلك عن عدم توزعه
وتقسمه ، ثم خصصه من بعد بجهة تلك الجهة [الممدوحة][٢] ، بعد أن عرّفه باللام الاستغراقية ، فقال : ولكن يصير
الجود حيث يصير
كناية عن ثبوته
له ، ومنه قولهم : خ خ مجلس فلان مظنة الجود والكرم.
وقد يظن أن
ههنا قسما رابعا وهو : أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والتخصيص معا مثل ما يقال :
خ خ يكثر الرماد في ساحة عمرو ، في الكناية عن : أنّ عمرا مضياف ، فليس بذاك ، إذ
ليس ما ذكر بكناية واحدة ، بل هما كنايتان ، وانتقال من لازمين إلى ملزومين ، أحد
اللازمين : كثرة الرماد ، والثاني : تقييدها ، وهو قولك : في ساحة عمرو.
واعلم أن
الكناية في القسم الثاني والثالث ، تارة تكون مسوقة لأجل الموصوف المذكور ، كما
تقول : خ خ فلان يصلي ويزكي ، وتتوصل بذلك إلى أنه مؤمن ، وخ خ فلان يلبس الغيار ،
وتريد : أنه يهودي ، وكالأمثلة المذكورة. وتارة تكون مسوقة لأجل
[١] ابن هانئ : هو
الحسن بن هانئ ، أبو نواس ، شاعر الخمرة والزهد المعروف ...
أورده بدر الدين بن مالك في المصباح ص
١٥٣ وعزاه لابن هانئ ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٤٦ ، والقزويني في
الإيضاح ص ٤٦٣ ، والطيبى في التبيان ١ / ٣٣١ وعزوه جميعا لأبي نواس.