اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 475
الاستعاذة ، فذلك لضيق العطن ، وقوله (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ)[١] في موضع : أراد نداء ربه ، بقرينة : (فَقالَ رَبِ) وقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْناها)[٢] في موضع : أردنا هلاكها ، بقرينة : (فَجاءَها بَأْسُنا) والبأس : الإهلاك ، وقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)[٣] في موضع أردنا هلاكها بقرينة : (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي عن معاصيهم للخذلان ، ومنه : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ
أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)[٤] أي : أردنا إهلاكها ، إذ معنى الآية : كل قرية أردنا
إهلاكها لم يؤمن أحد منهم ، أفهؤلاء يؤمنون؟ وما أدل نظم الكلام على الوعيد
بالإهلاك! أما ترى الإنكار في : (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) لا يقع في المحز إلّا بتقدير : ونحن على أن نهلكهم.
وإنما حملت
الامتناع عما ذكرت ، على ضيق العطن ، لأنه متى جرى فيما هو أبعد جريا مستفيضا ،
يكاد يريك من إذا تكلم بخلافه كمن صلى لغير قبلة ، أليس كل أحد يقول للحفار : خ خ
ضيق فم الركية ، وعليه فقس ، والتضييق ، كما يشهد له عقلك الراجح ، هو التغيير من
السعة إلى الضيق ، ولا سعة هناك ، إنما الذي هناك هو مجرد تجويز أن يريد الحفار
التوسعة ، فينزل مجوز مراده منزلة الواقع ، ثم يأمره بتغييره إلى الضيق ، أما يجب
أن يكون في الأقرب أجرى وأجرى؟.
وأمثال ذلك مما
تعدى الكلمة بمعونة القرينة عن معناها الأصلي إلى غيره لتعلق بينهما بوجه ، قويا
كان أو ضعيفا ، واضحا أو خفيا ، وللتعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي إلى
تركه ، يحتمل عندي أن يكون : " منعك" في قوله : علت كلمته : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)[٥] مرادا به : ما دعاك إلى أن لا تسجد؟ وأن يكون"
لا" غير