اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 366
ولصاحب علم
المعاني فضل احتياج في هذا الفن إلى التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها ، لا
سيما النوع الخيالي ، فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في
استيداع الصور خزانة الخيال ، وأن الأسباب ، لكما ترى ، إلى أي حد تتباين في شأن
الجمع بين صور وصور ، فمن أسباب تجمع بين : صومعة وقنديل وقرآن ، ومن أسباب تجمع
بين دسكرة [١] وإبريق وأقران ، فقل لي : إذا لم يوفّه حقه من التيقظ ،
وأنه من أهل المدر ، أنّى يستحلي كلام رب العزة مع أهل الوبر ، حيث يبصرهم الدلائل
ناسقا ذلك النسق : (أَفَلا يَنْظُرُونَ
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى
الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[٢] لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ، ثم لبعده في
خياله عن السماء ، وبعد خلقه عن رفعها ، وكذا البواقي ، لكن إذا وفاه حقه بتيقظه
لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستحلاء ، وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان
مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي ، كانت عنايتهم مصروفة ، لا محالة ، إلى أكثرها
نفعا ، وهي : الإبل.
ثم إذا كان
انتفاعهم بها لا يتحصل إلّا بأن ترعى وتشرب ، كان جل مرمى غرضهم نزول المطر ، وأهم
مسارح النظر عندهم السماء ، ثم إذا كانوا مضطرين إلى مأوى يأويهم ، وإلى حصن
يتحصنون فيه ، ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال :
فما ظنك
بالتفات خاطرهم إليها ، ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل ، ومن لأصحاب مواش بذاك ،
كان عقد الهمة عندهم ، بالتنقل من أرض إلى سواها ، من عزم الأمور. فعند نظره هذا
أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له ، لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك ،
أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة ، أو تعوزه صورة الجبال
[١] دسكرة : الدّسكرة
: بناء كالقصر حول بيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهى. والدّسكرة : الصومعة.