اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 341
وتسمعهم في قوله تعالى (لا فِيها غَوْلٌ وَلا
هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ)[١] يقولون : قدم الظرف تعريضا بخمور الدنيا ، وأن المعنى :
هي على الخصوص لا تغتال العقول اغتيال خمور الدنيا ، ويقولون في قوله تعالى : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)[٢] يمتنع تقديم الظرف على [اسم لا][٣] ؛ لأنه إذا قدم أفاد تخصيص نفي الريب بالقرآن ، ويرجع
دليل خطاب على أن ريبا في سائر كتب الله ، وعلى هذا متى قلت : إذا خلوت قرأت
القرآن ، أفاد تقديم الظرف اختصاص قراءتك به ورجع إلى معنى لا أقرأ إلّا إذا خلوت
، فافهم.
وإنما لزم
التقديم ، استدعاء الحكم ثبوتا ونفيا ، حتى قامت الجملة في نحو : أنا ضربت زيدا ،
مقام : ضربت زيدا ، ولم يضربه غيري ، وفي نحو : ما زيدا ضربت ، مقام : ما ضربت
زيدا وضربت غيره ، وفي نحو : إذا خلوت قرأت القرآن ، مقام : اقرأ القرآن إذا خلوت
، ولا أقرأ إذا لم أخل ؛ لما عرفت أن حالة التقديم هو أن ترى سامعك يعتقد وقوع فعل
وهو مصيب في ذلك ، لكنه مخطئ في الفاعل أو المفعول أو غير ذلك من مقيدات الفعل ،
وأنت تقصد رده إلى الصواب ، فإذا نفيت من كان اعتقده من الفاعل أو المفعول ،
استدعى المقام غير ذلك ، فيجتمع لذلك نفيك للمنفي مع الإثبات لمن سواه ، وإذا أثبت
غير من كان اعتقده ، استدعى المقام نفي من اعتقده لكونه خطأ ، فيجتمع إثباتك
للمثبت مع النفي للمنفي ، ويفيد التقديم في جميع ذلك وراء ما سمعت ، نوع اهتمام
بشأن المقدم ، فعلى المؤمن في نحو : (بسم الله) ، إذا أراد تقدير الفعل معه ، أن
يؤخر الفعل على نحو : بسم الله أقرأ ، أو أكتب ، وكأني بك تقول : فما بال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)[٤] مقدم الفعل على المفعول ، وأن كلام الله أحق برعاية ما
يجب رعايته ،