ثم قال : «وأمّا
قول الشّاعر : إذا حاجة ... البيت فحمله على الحال وهم فاحش ؛ لأنّ إذا ظرف لما
يستقبل ، فولّتك مستقبل وإن كان لفظه ماضيا.
فلا تستطيعها
جملة في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها ولّتك المستقبل ، فلا تستطيعها جملة
مستقبلة». انتهى. وفيه حذف.
والظاهر أن
الذي قاله المصنف عار عن الوهم ، وذلك أن استطاعته للحاجة وعدم استطاعته إنما هو
بالنسبة إلى وقت توليها ، فالتولي وإن كان مستقبلا فلا تستطيعها حال ، وجعلها جملة
مستقبلة إنما هو بالنظر إلى وقت التلفظ بهذا الكلام.
وليس المراد
إذا حاجة ولتك وأنت لا تستطيعها في المستقبل ؛ بل المراد إذا ولتك حاجة وأنت لا
تستطيعها حين توليها ، وهذا ظاهر من البيت.
ثم قال المصنف
: «والذي غرّ الزمخشريّ [١] وغيره من المتأخّرين قول سيبويه في نفي الفعل [٢] :
وإذا قال هو
يفعل أي : هو في حال فعله ، فإنّ نفيه ما يفعل ، وإذا قال هو [١ / ٣٨] يفعل ولم
يكن الفعل واقعا ، فإنّ نفيه لا يفعل ، فاستعمل ما في نفي الحال ولا في نفي
المستقبل ، وهذا لا خلاف في جوازه ، وليس في عبارته ما يمنع من إيقاع غير ما موقع
ما ، ولا من إيقاع غير لا موقع لا» انتهى [٣]. ـ
وأما حجته في الأمثلة
التي بعده فقد قال : إن الحال فيه جاءت من خارج عن لا ، وهو الاستفهام المراد به
الحال ، ثم انسحب الحال فيه إلى الفعل المنفي ، ويمكن رده بأن المثال ـ أو الآية ـ
يجب النظر إليه وفهمه مرة واحدة.
[١]أي دفعه بأن يقول
: إن لا لنفي المستقبل (انظر المفصل ١ / ٣٠٦) ، يقول فيه : فصل : «ولا لنفي
المستقبل في قولك : لا يفعل ، قال سيبويه : وأمّا لا فتكون نفيا لقول القائل : هو
يفعل ولم يقع الفعل».
والزمخشري :
هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد جار الله الزمخشري ، ولد سنة (٤٦٧ ه).
كان واسع العلم كثير الفضل متفننا في كل
علم معتزليّا في مذهبه مجاهرا به حنفيّا ، وله آراء كثيرة مشهورة في كتب النحو
وتصانيفه مشهورة أيضا ، منها الكشاف في التفسير والمفصل في النحو ، وله الفائق في
غريب الحديث. وله المستقصي في الأمثال وله أساس البلاغة في اللغة والأنموذج في
النحو وكتب أخرى ، توفي سنة (٥٣٨ ه). انظر ترجمته في بغية الوعاة (٢ / ٢٧٩).
[٢]انظر : الكتاب (٣
/ ١١٧) ، وهو باب طريف في معنى الفعل فارجع إليه.