والآحاد والتثانى والجموع ، والتكابير ، والتصاغير ، ولما أقنعهم أن يقولوا
: إذا كان الماضى كذا وجب أن يكون مضارعه كذا ، واسم فاعله كذا ، واسم مفعوله كذا
، واسم مكانه كذا ، واسم زمانه كذا ، ولا قالوا : إذا كان المكبّر كذا فتصغيره كذا
، وإذا كان الواحد كذا فتكسيره كذا ، دون أن يستوفوا كل شيء (من ذلك) ، فيوردوه
لفظا منصوصا معيّنا لا مقيسا ، ولا مستنبطا ، كغيره من اللغة التى لا تؤخذ قياسا ،
ولا تنبيها ؛ نحو دار ، وباب ، وبستان ، وحجر ، وضبع ، وثعلب ، وخزز ؛ لكن القوم
بحكمتهم وزنوا كلام العرب فوجدوه على ضربين : أحدهما ما لا بدّ من تقبله كهيئته ،
لا بوصيّة فيه ، ولا تنبيه عليه ؛ نحو حجر ، ودار ، وما تقدّم ؛ ومنه ما وجدوه
يتدارك بالقياس ، وتخفّ الكلفة فى علمه على الناس ، فقنّنوه وفصّلوه إذ قدروا على
تداركه من هذا الوجه القريب ، المغنى عن المذهب الحزن البعيد.
وعلى ذلك قدّم
الناس فى أوّل المقصور والممدود ما يتدارك بالقياس والأمارات ، ثم أتلوه ما لا بدّ
له من السماع والروايات ، فقالوا : المقصور من حاله كذا ؛ (ومن صفته كذا ؛
والممدود من أمره كذا ، ومن سببه كذا ، وقالوا فى المذكر والمؤنث : علامات التأنيث
كذا وأوصافها كذا) ، ثم لمّا أنجزوا ذلك قالوا : ومن المؤنث الذى روى رواية كذا
وكذا. فهذا من الوضوح على ما لا خفاء به.
فلمّا رأى
القوم كثيرا من اللغة مقيسا منقادا وسموه بمواسمه ، وغنوا بذلك عن الإطالة
والإسهاب فيما ينوب عنه الاختصار والإيجاز. ثم لمّا تجاوزوا ذلك إلى ما لا بدّ من
إيراده ونصّ ألفاظه التزموا (وألزموا) كلفته ؛ إذ لم يجدوا منها بدّا ، ولا عنها
منصرفا. ومعاذ الله أن ندّعى أن جميع اللغة تستدرك بالأدلّة قياسا ، لكن ما أمكن
ذلك فيه قلنا به ونبّهنا عليه ؛ كما فعله من قبلنا ممن نحن له متّبعون ، وعلى مثله
وأوضاعه حاذون ، فأمّا هجنة الطبع وكدورة الفكر ، وخمود النفس ، وخيس [١] الخاطر ، وضيق المضطرب ، فنحمد الله على أن حماناه ،
ونسأله سبحانه أن يبارك لنا فيما آتاناه ، ويستعملنا به فيما يدنى منه ويوجب
الزلفة لديه بمنّه.
فهذا مذهب
العلماء بلغة العرب وما ينبغى أن يعمل عليه ويؤخذ به ، فأمضه على ما أريناه
وحدّدناه ، غير هائب له ولا مرتاب به. وهو كثير ، وفيما جئنا به منه كاف.