هذا موضع كأنّ
فى ظاهره تعجرفا ، وهو مع ذلك تحت أرجل الأحداث ممن تعلّق بهذه الصناعة ، فضلا عن
صدور الأشياخ. وهو أكثر من أن أحصيه فى هذا الموضع لك ، لكنى أنبّهك على كثير من
ذلك لتكثر التعجّب ممن تعجّب منه ، أو يستبعد الأخذ به. وذلك أنك لا تجد مختصرا من
العربية إلا وهذا المعنى منه فى عدّة مواضع ؛ ألا ترى أنهم يقولون فى وصايا الجمع
: إنّ ما كان من الكلام على فعل فتكسيره على أفعل ؛ ككلب وأكلب ، وكعب وأكعب ،
وفرخ وأفرخ. وما كان على غير ذلك من أبنية الثلاثيّ فتكسيره فى القلّة على أفعال ؛
نحو جبل وأجبال ، وعنق وأعناق ، وإبل وآبال ، وعجز وأعجاز ، وربع وأرباع ، وضلع
وأضلاع ، وكبد وأكباد ، وقفل وأقفال ، وحمل وأحمال. فليت شعرى هل قالوا هذا ليعرف
وحده ، أو ليعرف هو ويقاس عليه غيره ؛ ألا تراك لو لم تسمع تكسير واحد من هذه
الأمثلة بل سمعته منفردا أكنت تحتشم من تكسيره على ما كسّر عليه نظيره؟.
لا ، بل كنت
تحمله عليه للوصيّة التى تقدّمت لك فى بابه. وذلك كأن يحتاج إلى تكسير الرجز الذى هو
العذاب فكنت قائلا لا محالة : أرجاز ؛ قياسا على أحمال ، وإن لم تسمع أرجازا فى
هذا المعنى. وكذلك لو احتجت إلى تكسير عجر من قولهم : وظيف عجر لقلت : أعجار ؛
قياسا على يقظ وأيقاظ ، وإن لم تسمع أعجارا. وكذلك لو احتجت إلى تكسير شبع بأن
توقعه على النوع لقلت : أشباع ، وإن لم تسمع ذلك ؛ لكنك سمعت نطع وأنطاع ، وضلع
وأضلاع. وكذلك لو احتجت إلى تكسير دمثر لقلت : دماثر ؛ قياسا على سبطر وسباطر.
وكذلك قولهم : إن كان الماضى على فعل فالمضارع منه على يفعل ، فلو أنك على هذا
سمعت ماضيا على فعل لقلت فى مضارعه : يفعل ، وإن لم تسمع ذلك ؛ كأن يسمع سامع ضؤل
، ولا يسمع مضارعه ، فإنه يقول فيه : يضؤل ، وإن لم يسمع ذلك ، ولا يحتاج أن
يتوقّف إلى أن يسمعه ؛ لأنه لو كان محتاجا إلى ذلك لما كان لهذه الحدود والقوانين
التى وضعها المتقدمون (وتقبلوها) وعمل بها المتأخرون معنى يفاد ، ولا عرض ينتحيه
الاعتماد ، ولكان القوم قد جاءوا بجميع المواضى ، والمضارعات ، وأسماء الفاعلين ،
والمفعولين ، والمصادر ، وأسماء الأزمنة والأمكنة ،