سألت أبا علىّ رحمهالله عن هذا فقال : كما جاز أن نفيس منثورنا على منثورهم ،
فكذلك يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم. فما أجازته الضرورة لهم أجازته لنا ، وما
حظرته عليهم حظرته علينا.
وإذا كان كذلك
فما كان من أحسن ضروراتهم ، فليكن من أحسن ضروراتنا ، وما كان من أقبحها عندهم
فليكن من أقبحها عندنا. وما بين ذلك بين ذلك.
فإن قيل : هلا
لم يجز لنا متابعتهم على الضرورة ، من حيث كان القوم لا يترسّلون فى عمل أشعارهم
ترسّل المولّدين ، ولا يتأنّون فيه ، ولا يتلوّمون [١] على حوكه (وعمله) ، وإنما كان أكثره ارتجالا ، قصيدا
كان ، أو رجزا ، أو رملا.
فضرورتهم إذا
أقوى من ضرورة المحدثين. فعلى هذا ينبغى أن يكون عذرهم فيه أوسع ، وعذر المولّدين
أضيق.
قيل : يسقط هذا
من أوجه : أحدها أنه ليس جميع الشعر القديم مرتجلا ، بل قد كان يعرض لهم فيه من
الصبر عليه ، والملاطفة له ، والتلوّم على رياضته ، وإحكام صنعته نحو مما يعرض
لكثير من المولّدين. ألا ترى إلى ما يروى عن زهير : من أنه عمل سبع قصائد فى سبع
سنين ، فكانت تسمّى حوليات زهير ؛ لأنه كان يحوك القصيدة فى سنة. والحكاية فى ذلك
عن ابن أبى حفصة أنه قال : كنت أعمل القصيدة فى أربعة أشهر ، وأحكّكها فى أربعة
أشهر ، وأعرضها فى أربعة أشهر ، ثم أخرج بها إلى الناس. فقيل له : فهذا هو الحولى
المنقّح. وكذلك الحكائد عن ذى الرمّة : أنه قال : لمّا قال :