ألا ترى أن
أصله عواوير ، من حيث كان جمع عوّار. والاستظهار فى هذين الموضعين أعنى حديث عواول
، وعواور أسهل احتمالا من دخولك تحت الإفساد عليك بهما ، واعتذارك من بعد بما
قدّمته فى صدر العلّة. فإذا كان لا بدّ من إيراده فيما بعد إذا لم تحتط بذكره [فيما
قبل] كان الرأى تقديم ذكره ، والاستراحة من التعقّب عليك به. فهذا ضرب.
ولو استظهرت
بذكر ما لا يؤثّر فى الحكم لكان ذلك منك خطلا ولغوا من القول ؛ ألا ترى أنك لو
سئلت عن رفع طلحة من قولك : جاءنى طلحة ، فقلت : ارتفع لإسناد الفعل إليه ، ولأنه
مؤنّث ، أو لأنه علم ، لم يكن ذكرك التأنيث والعلميّة إلا كقولك : ولأنه مفتوح
الطاء ، أو لأنه ساكن عين الفعل ، ونحو ذلك مما لا يؤثّر فى الحال. فاعرف بذلك
موضع ما يمكن الاحتياط به للحكم مما يعرى من ذلك ، فلا يكون له فيه حجم. وإنما
المراعى من ذلك كلّه كونه مسندا إليه الفعل.
فإن قيل : هلا
كان ذكرك أنت أيضا هنا الفعل لا وجه له ؛ ألا ترى أنه إنما ارتفع بإسناد غيره إليه
، فاعلا كان أو مبتدأ. والعلّة فى رفع الفاعل هى العلّة فى رفع المبتدأ ، وإن
اختلفا من جهة التقديم والتأخير؟
قلنا : لا ،
لسنا نقول هكذا مجرّدا ، وإنما نقول فى رفع المبتدأ : إنه إنما وجب ذلك له من حيث
كان مسندا إليه ، عاريا من العوامل اللفظيّة قبله فيه ، وليس كذلك الفاعل ؛ لأنه
وإن كان مسندا إليه فإن قبله عاملا لفظيّا قد عمل فيه ، وهو الفعل ؛ وليس كذلك
قولنا : زيد قام ؛ لأن هذا لم يرتفع لإسناد الفعل إليه حسب ، دون أن انضمّ إلى ذلك
تعرّيه من العوامل اللفظيّة من قبله. فلهذا قلنا : ارتفع الفاعل بإسناد الفعل إليه
، ولم نحتج فيما بعد إلى شيء نذكره ، كما احتجنا إلى ذلك فى باب المبتدأ ؛ ألا
تراك تقول : إنّ زيدا قام فتنصبه ـ وإن كان الفعل مسندا إليه ـ لمّا لم يعر من
العامل اللفظىّ الناصبة.
ـ العواور : أصله «العواوير» حذف الياء للضرورة
، ولذلك لم يهمز لأن الياء فى نيّة الثبات ، فكما كان لا يهمزها والياء ثابتة كذلك
لم يهمزها والياء فى نيّة الثبات ، والعوّار : القذى ، والرمد. اللسان (عور).
وانظر شرح الرضى للشافية ٣ / ١٣١.