همسة صادقة في آذان النحاة : من هذا
الاستقراء لروايات الحديث في دواوين السنة نوقن دقة الرواية ، وتحري الرواة. ولو
عرضنا هذه الروايات على القواعد النحوية ، المتّفق عليها ، لوجدناها جارية على
الأساليب الفصيحة. وأما الروايتان اللتان ذكرهما «أبو البقاء» في «إعراب الحديث
النبوي» ص : ١٩٢ ، وهما : «نهى عن قتل جنّان البيوت إلّا الأبتر وذو الطفيتين» و «أمر
بقتل الأبتر وذو الطفيتين»
وتعليقه على الرواية الأولى بقوله :
والقياس أن يكون هو والأبتر منصوبين ؛ لأنه استثناء من موجب أو منفي ، ولكن المقدر
في المعنى منصوب ، لأن التقدير : لا تقتلوا جنّان البيوت إلا الأبتر ، فأما الرفع
فوجهه على شذوذه أن يقدّر له ما يرفعه ، والتقدير : لكن يقتل ذو الطفيتين والأبتر
؛ وعلى هذا يجوز نصبه على أصل باب الاستثناء ، ورفعه على ما قدرنا.
ومثل هذا قول «الفرزدق» :
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلا مسحتا أو مجلّف
ف «مجلّف» مرفوع على تقدير : بقي مجلف. و
«مسحتا» بالنصب على أصل الباب.
ويروي «مسحت» بالرفع على ما قدرنا.
وتعليقه على الرواية الثانية بقوله :
الوجه «وذي» ، معطوفا على لفظ «الأبتر» ، ويروي «ذو» بالواو عطفا على موضع «الأبتر»
فأقول : إن أبا البقاء حكم على الرواية الأولى بالشذوذ ، ومخالفة القياس ، وحكم
على الرواية الثانية بمخالفتها للوجه (أي : القياس النحوي). وهاتان الروايتان لا
وجود لهما في الدواوين الحديثيّة المشتهرة. وكان عليه أن يأتي بالروايات الواردة
في الكتب الحديثية المعتبرة.
والملاحظ أنّ أحاديث كثيرة استشهد بها
النحاة ، وهي محرّفة ، ويوردونها لبيان شذوذها وغرابتها ، ومخالفتها للقواعد
النحوية.
وكان من الواجب على العالم تحرير الشاهد
الحديثيّ ، وأخذه من كتب الحديث الصحيحة ، والتوثق من ضبطه قبل الحكم عليه ،
فالأمانة العلمية توحي على العالم ضبط موضع الاستشهاد ، وإثبات ما قبله وما بعده ،
ليعرف موقع الأعراب ، وليزهو الشاهد بالجانبين. فكثيرا ما يكون الشاهد الأبتر
داعية الخطأ في المعنى والمبنى.
ارجع إلى مسألة / ٤٣ / في لغة «أكلوني
البراغيث» تر الحديث «يتعاقبون فيكم ملائكة» وقد استشهدوا به على جواز مطابقة
الفعل المتقدم لفاعله المتأخر في الإفراد والتثنية والجمع ، فأجازوا : جاؤوا
اسم الکتاب : الحديث النبوي في النحو العربي المؤلف : محمود فجال الجزء : 1 صفحة : 242