السّلام) إذا رسخت
أقدامه بين النهرين ، وأهلوهما شيعة أبيه ، ومَدائن كِسرى تواليه (مُنذ وَلْيَها
سلمان ، وتزوَّج بشاه زنان) ، فأنوار مباديه تشعُّ على ربوع إيران ؛ فيكون له منهم
أنصارُ المال ، وأنصارُ الحرب ، وأنصارُ الرأي والإرادة ، وأنصارٌ لنشر مَعارف
القرآن ، وعلوم شرع جَدِّه الزاهر ، فإذا توفَّق بهم على تكوين حكومة راقية ؛ صار
أولى مِن أُميَّة بالولاية على الأقطار ، حتَّى الحجاز والشام ؛ لأنَّ المُهيمن
على العراق يُهدِّد أبداً خُطوط مواصلات الشام للحرميَن ، وربَّما يُجدِّد العراق
على الشام حرب صِفِّين ، حينما أرض الشام خالية مِن الداهيتيَن : مُعاوية ، وابن
العاص.
أمَّا يزيد ، فلم يَكُن منه بادي بدء ، سِوى
استشارة (سرجون) مولى أبيه معاوية ، في كُتُب القوم إليه ؛ فأشار عليه باستعمال
عبيد الله بن زياد على العراق ، وكانت بينه وبين يزيد برودة ، وأبرز سرجون ليزيد
عهداً كان معاوية قد كتبه في هذا الشأن ، قُبيل وفاته [١] ، فوافق يزيد على ذلك ، وانتهى إلى ابن
زياد أمره ، وكتب إليه : أمَّا بعد : فإنَّه كتب اليَّ شيعتي مِن أهل الكوفة ، يُخبرونني
أنَّ ابن عقيل فيها ، يجمع الجموع ؛ ليَشُق عصا المسلمين ، فسِرْ حين تقرأ كتابي
هذا ، حتَّى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتَّى تُثقِّفه ، وتوثقه ، أو
تقتله ، أو تنفيه. إلى آخره.
فأخذ ابن زياد مِن كتاب يزيد ورسوله ، قوَّة
وبصيرة ، وصلاحيَّة واسعة في صرف المال ، وبَثَّ المواعيد ، ومَنحه الاختيارات
التامَّة.