الزبير؛ والسِّرُّ
فيما ارتآه داهية قريش ، هو أنّ البعض مِن هؤلاء ضعيف النفس ، وغير مسبوق بغَضاضة.
وأمّا الحسين (ع) فنفس أبيه بين جنبيه ،
ويخشى على البيت الأُموي مِن التعرُّض إليه ، وبما أنّه رجُلُ الفضيلة ، يؤمْل فيه
أنْ يَستمرَّ على سكوته وسكونه ، إذا عمل برغائبه ومُداراته ، ويُخشى مِن قيامه
أنْ يقوم الحِجاز والعراق معه ، حين لا مُعاوية لديه ، ولا ابن العاص.
أمَّا ابن الزبير ، فذو نفسيَّة حربيَّة
مع أعدائه ، وذو دَهاءٍ مع رُقبائه ، ولكنَّه كأبيه شحيح لا مطمع فيه ؛ فالعدوُّ
لا يَأمن منه ، والصديق لا يأمل فيه ، فاستهان به ، وبالقضاء عليه مِن دون توقُّع
مَحذور في مُعاداته ، لكنَّ يزيد لم يَعمل بهذه الوصيَّة الجوهريَّة ؛ وذلك لأنَّه
عاش عِيشَةً مُترَفة قضاها في الصيد والسِّكْر واللَّهو ، ومِثل هذه التربية تَسوق
صاحبها دائماً لعبادة الهَوى ، والاعتراف بسلطان الشهوات ، فلا يَحترِم قديماً ، ولا
يَحتشم عظيماً ، ولا يحتفل بالدين ، ولا برغائب الجمهور.
وعليه فما مات مُعاوية ، إلاِّ والأوامر
تَترى مِن يزيد على ابن عمِّه الوليد ، وإلى المدينة بأخذ البيعة له مِن الناس
عامَّة ، ومِن الحسين (عليه السّلام) ، وابن الزبير للخِلافة خاصَّة ؛ فتلقَّى
الوليد أوامره بكلِّ رَهبة واحتياط ، وكان يَعرِف سوء سُمعة يزيد كحُسن شُهرة
هؤلاء عند المسلمين عامَّة ، وعند أهل الحِجاز خاصَّة ، فأدَّت سياسته إلى إعلام هؤلاء
بالأمر ، بصورةٍ ودِّيَّةٍ مع المُداراة لرغائبهم وحركاتهم ، قبلما يأخذ البيعة
العامَّة في مسجد النبي (صلَّى الله عليه وآله) ليزيد كخليفة ، أرسل إلى الحسين (عليه
السّلام) ، وإلى زُملائه للحضور في بيته لمُذاكرةٍ مُهمّةٍ ، فجاءه الحسين (عليه
السّلام) ، ومعه ثُلَّةٌ مِن أقربائه ،