صفى لمُعاوية الجوُّ ، ومَلك نحو أربعين
سنة ، مُلكَاً قلمَّا يسمح الزمان بمِثله لغيره ، وهو في خِلال ذلك ، لا يفترُ عن
عمله ليله ونهاره ، فيستكثر أعوانه ، ويُعزِّز إخوانه ، ويستحوذ على مَن يشاء ، بما
أوتي مِن مال ودهاء ، واستمال إلى أهوائه أمثال زياد ، وابن العاص ، والمُغيرة ، فمَدَّ
أطناب حِزبه ، ورواق مأربه ، وانقادت إليه حتَّى آل هاشم ، ولكنَّ الرجُل استحبَّ
دوام هذا السؤدَد لبيته ، ومَن يَخلفه في إنفاذ نواياه ، عرف أنَّ سُلطانه وقتيٌّ
وقسريٌّ ، وما بالقسر لا يدوم ؛ فأراد تثبيته في بيته مادام حيَّاً ؛ لأنَّه يَخشى
مِن موته على بنيه انقلاب الأُمور ، لا سيَّما وابنه يزيد موضع نِقمة الجمهور ، وفي
الناس مَن هو أقدم مِن ابنه ، وأولى مِن جميع الوجوه ، فأخذ البيعة ليزيد حال
حياته ، بعد أنْ ذلَّلَ الصعاب ، ومَهَّد السبُل لغاياته ، غير أنّ جماعة مِن
الصَّفوة البارزة ، مِن أولاد الخُلفاء وغيرهم ، مِمَّن ذكرناهم سابقاً ، أبوا
عليه البيعة ليزيد ، واتَّخذت عملية مُعاوية هذه كمُناورة يُمتحَن بها مُخالفيه ، ثمَّ
أوصى ولده يزيد بأنْ لا يمسَّ هؤلاء بسوءٍ ، إذا أبو عليه البيعة بعد موته ، إلاَّ
ابن