السلام) ؛ فإنَّ
أوامر ابن زياد ، بمنع الماء خصوص الكبار دون الصغار ، والصغير تستثنيه الشرائع
والعواطف ، مِن كلِّ جريمة وانتقام ، حتَّى لو كان الأطفال مِن ذراري الكفَّار ، وقائل
، إنَّ الحسين قد بلغ الغاية مِن الضمأ والضرورة ، فإنْ صبرتم عن سقايته سويعَة ؛
أسلم أمره إليكم وتنازل لكم.
فخشي ابن سعد مِن طول المَقام والمقال
أنْ يَتمرَّد عليه جيشه المُطيع ، فقال لحرملة : اقطع نزاع القوم ، وكان مِن
الرماة ، فعَرف غرض ابن سعد ، فرمى الرضيع بسهم نَحَرَه به ، وصار الحسين (عليه
السّلام) يأخذ دَمَه بكَفِّه ، وكلَّما امتلأت كَفُّه دَماً ، رمى به إلى السماء ،
قائلاً : «اللَّهمَّ ، لا يكونَنَّ أهون عليك مِن فصيل». يعني فصيل ناقة صالح.
ولمَّا أحسَّ الرضيع بحَرارة الحديد
وألمه ، فتح عينيه في وجه أبيه ، وصار يُرفرف كالطير المذبوح ، وطارت روحه رافعة ،
شكاية الحال إلى العَدل المُتعال ، وترك القلوب دامية مِن مُصيبَته المُفتِّتة
للأكباد ، وقد بلغ أمر الرضيع الذبيح ، مَبلغاً مِن قوّة الدلالة على انحراف قلوب
القوم ، عن سُنَن الإنسانيَّة ، وعلى سَفالة أخلاقهم ، بحيث يَئس الحسين (عليه
السّلام) ـ عند ذلك ـ مِن رُشدهم ، وعاد عنهم خائباً ، وربَّما كانت مُصيبته في
خيبته أعظم عليه مِن مُصيبته في الرضيع ، فاستقبلته صَبيَّة قائلة : يا أباه ، لعلَّك
سَقيت أخي ماءً.
فأجابها : هاكِ أخاك ذبيحاً ، ثمَّ حفر
الأرض بسيفه ، ودفن الرضيع ، ودفن معه كلَّ آماله.
وكان حسين الحَقِّ ، لم يَدَّخر في وسعه
أيَّ قوَّة ، ولم يُضيِّع أيَّ فرصة ، في إفشاء سرائر الحزب السُّفياني ؛ فإنَّ
قتل الذراري ، وذبح