اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 557
فأجابه بأنّه اختار
لهم يزيد. فقال عبد الرّحمن بن أبي بكر : كذبت يا مروان ، وكذب معاوية ، ما الخيار
أردتما لاُمّة محمَّد (ص) ، ولكنّكم تُريدون أنْ تجعلوها هرقلية. فقال مروان : هذا
الذي أنزل الله فيه : (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا). فقالت عائشة
: كذبت ، والله ما هو به ، ولكنّك أنت فضض من لعنة نبي الله. (أي : أَنّ النّبي (ص)
لعن أباك وأنت فضض من لعنته. أي : قطعة وطائفة منها). وقام الحسين بن علي (ع) فأنكر
ذلك ، وفعل مثله ابن عمر وابن الزّبير. فكتب مروان بذلك إلى معاوية ، وكان معاوية
قد كتب إلى عمّاله بمدح يزيد وأنْ يُوفدوا إليه الوفود ، فكان فيمن أتاه الأحنف بن
قيس في وفد أهل البصرة ، فقال معاوية للضّحاك بن قيس الفهري لمّا اجتمع الوفود
عنده : كُن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد. فقام الضّحاك فمدح يزيد ودعا معاوية إلى
بيعته ، وتكلّم مَن حضر من الوفود ، فقال معاوية للأحنف : ما تقول يا أبا بحر؟
فقال : نخافكم إنْ صدقنا ، ونخاف الله إنْ كذبنا. وتفرّق النّاس يحكون قول الأحنف.
وكان معاوية يُعطي المقارب ويداري المُباعد حتّى استوسق له أكثر النّاس ، فلمّا
بايعه أهل العراق والشّام ، سار إلى الحجاز في ألف فارس ، فلمّا دنا من المدينة ، لقيه
الحسين بن علي (ع) ، ثمّ لقيه ابن الزّبير ، ثمّ عبد الرّحمن بن أبي بكر وعبد الله
بن عمر فجفاهم ووبّخهم ، فخرجوا إلى مكّة فأقاموا بها. وخطب معاوية بالمدينة ومدح
يزيد ، ثمّ خرج إلى مكّة فجمع هؤلاء الأربعة ، وقال لهم : قد اُعذر من أنذر ، إنّي
قائم بمقالةٍ فاُقسم بالله ، لئن ردّ عليَّ أحدكم كلمة في مقامي هذا ، لا ترجع
إليه كلمة غيرها حتّى يسبقها السّيف إلى رأسه. ثمّ دعا صاحب حرسه ، فقال : أقم على
رأس كلّ رجل من هؤلاء رجلين ، ومع كلّ واحد سيف ، فإنْ ذهب رجل منهم يردّ عليَّ ، فليضرباه
بسيفهما. ثمّ قال : إنّ هؤلاء الرّهط سادة المسلمين وخيارهم ، وأنّهم قد رضوا
وبايعوا يزيداً ، فبايعوا على اسم الله. فبايع النّاس ، ثمّ ركب رواحله وانصرف إلى
المدينة ، وبايعه أهل المدينة ، وانصرف إلى الشّام. وجفا بني هاشم ، فأتاه ابن
عباس ، فقال له : ما بالك جفوتنا؟ قال : إنّ صاحبكم لم يُبايع ليزيد ، فلم تنكروا
ذلك عليه. فقال : يا معاوية ، إنّي لخليق أنْ أنحاز إلى بعض السّواحل فاُقيم به ، ثمّ
أنطلق حتّى أدع النّاس كلّهم خوارج عليك. قال : يا أبا العبّاس ، تعطون وترضون. هكذا
كانت بيعة يزيد بالقهر والغلبة ، وتأميره على اُمّة محمَّد (ص) ـ كما كانت بيعة
أبيه ـ وهو يشرب الخمور ويرتكب الفجور ، ويلعب بالقرود والفهود ، وأصبح أمر
الخلافة كما قال الأمير أبو فراس الحمداني :
حتَّى إذا أصبحتْ في غيرِ صاحبِها
باتتْ تُنازعُها الذؤبانُ والرَّخمُ
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 557