اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 462
إنّا لله وإنّا إليه
راجعون ، مات والله ، علي بن أبي طالب. فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم ، فقالت
فاطمة عليهاالسلام
: «يا أبا الدّرداء ، أخبرنا ما كان من شأنه وقصّته؟». فأخبرتها الخبر ، فقالت : «هي
والله ، الغشية التي تأخذه من خشية الله». ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق
ونظر إليَّ وأنا أبكي ، فقال : «ممّ بكاؤك يا أبا الدّرداء؟». فقلت : ممّا أراه
تُنزله بنفسك. فقال : «يا أبا الدّرداء ، فكيف لو رأيتني وقد دُعي بي إلى الحساب ،
وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكةٌ غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفتُ بين
يدَي الملك الجبّار ، قد أسلمتني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدَّ رحمة
لي بين يديّ مَنْ لا تخفى عليه خافية». قال أبو الدّرداء : فوالله ، ما رأيتُ ذلك
لأحد من أصحاب رسول الله (ص). أقول : كلّ مَنْ يُغمى عليه يؤتى إليه بالماء ،
فيُنضح على وجهه حتّى يفيق ، إلاّ غريب كربلاء أبو عبد الله الحسين (ع) ؛ فإنّه
لمّا سقط عن ظهر جواده إلى الأرض ، واُغمي عليه ساعة ، لمْ يُنضح على وجهه الماء
حتّى يفيق ، وإنّما أفاق على ضرب السّيوف وطعن الرماح ، وهو مع ذلك يطلب جرعة من
الماء ، وهم يقولون : لنْ تذوق الماء ـ أبا عبد الله ـ حتّى تذوق الموت عطشاً.
فعزَّ أنْ تتلظَّى بينَهُمْ عَطشاً
والماءُ يصدرُ عنه الوحشُ ريّانا
ونظر أمير المؤمنين (ع) ذات يوم إلى
امرأة وعلى كتفها قربة ماء مملوءة ، فحملها معها إلى منزلها ، ثمّ سألها عن شأنها
، قالت : بعث علي بن أبي طالب (ع) بصاحبي إلى بعض الثغور فقُتل ، وترك عليّ
صبياناً يتامى وليس عندي شيء ، وقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة النّاس. فمضى أمير
المؤمنين (ع) وبات تلك الليلة قلقاً ، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً مملوءاً من الدقيق
واللحم والتمر على كتفه ، فقال له بعض أصحابه : أعطني أحمل عنك هذا؟ فقال : «مَن
يحمل عنّي وزري يوم القيامة؟». ثمّ أتى إلى باب تلك الامرأة وقرع الباب ، قالت :
مَن في الباب؟ قال : «أنا العبد الذي حمل معك القربة ، افتحي الباب ؛ فإنّ معي
شيئاً للصبيان». فقالت : رضي الله عنك ، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب. ثمّ فتحت
له الباب ودخل ، وقال لها : «يا أمة الله ، إنّي أحببت اكتساب الثواب ، فاختاري
بين أنْ تعجني وتخبزي ، وبين أنْ تُعللي الصبيان لأخبز أنا لهم؟». قالت : يا عبد
الله ، أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر ، دونك الصبيان فعلّلهم. فعمدت الامرأة إلى
الدقيق تعجنه ، وعمد أمير المؤمنين (ع) إلى اللحم فطبخه ، وجعل يُلقم الصبيان من
ذلك اللحم والتمر ، وكلّما ناول صبياً منهم ، قال له : «يا بُني ، اجعل علي بن أبي
طالب في حلّ ممّا أمر في أمركم». ولمّا اختمر العجين ، قالت الامرأة : قُم يا عبد
الله
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 462