اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 461
المجلس الثاني والتسعون بعد
المئة
قال عُروة بن الزّبير : كنّا جلوساً في
مجلس في مسجد رسول الله (ص) ، فتذاكرنا أحوال أهل بدر ، وبيعة الرضوان ، فقال أبو
الدّرداء : يا قوم ، ألاَ اُخبركم بأقلِّ القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدهم
اجتهاداً في العبادة؟ قالوا : مَن هو؟ قال : علي بن أبي طالب. قال : فوالله ، إنْ
كان في جماعة أهل المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه ، ثمّ انتُدب له رجل من الأنصار ،
فقال له : يا عُويمر ، لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها. فقال
أبو الدرداء : يا قوم ، إنّي قائل ما رأيته ، وليقل كلُّ قوم ما رأوا. شهدت علي بن
أبي طالب (ع) بسويحات بني النّجار ، وقد اعتزل عن مواليه ، واختفى ممّن يليه ،
واستتر ببُعيلات النّخل ، فافتقدته وبعُد عليَّ مكانه ، فقلت : لحق بمنزله. فإذا
أنا بصوت حزين ونغمة شجي ، وهو يقول : «إلهي ، كمْ من موبقةٍ حملتُها فقابلتَها
بنعمتك ، وكم من جريرة تكرّمتَ عن كشفها بكرمك. إلهي ، إنْ طال في عصيانك عُمري ،
وعظم في الصُّحف ذنبي ، فما أنا مؤمّلٌ غير غفرانك ، ولا أنا براجٍ غير رضوانك». فشغلني
الصوت ، واقتفيت الأثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب (ع) بعينه ، فاستترت له لأسمع
كلامه ، وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثمّ فزع إلى الدعاء
والتّضرع والبكاء ، والبثّ والشكوى ، فكان ممّا به ناجى أنْ قال : «إلهي ، اُفكّر
في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليتي». ثمّ قال
: «آهٍ إنْ أنا قرأت في الصحف سيئةً ، أنا ناسيها وأنت مُحصيها! فتقول : خذوه. فيا
له من مأخوذٍ لا تُنجيه عشيرتُه ، ولا تنفعه قبيلتُه ، يرحمه الملأ إذا أذن فيه
بالنّداء». ثمّ قال : «آهٍ من نار تنضج الأكباد والكِلى! آهٍ من نار نزّاعة للشوى!
آهٍ من غمرةٍ من مُلتهبات لظى!». ثمّ انغمر في البكاء ، فلمْ أسمع له حسّاً ولا
حركة ، فقلتُ : غلب عليه النّوم لطول السهر ، اُوقظه لصلاة الفجر. قال أبو
الدّرداء : فأتيته ، فإذا هو كالخشبة المُلقاة ، فحرّكته فلمْ يتحرّك ، وزويته فلم
ينزوِ. قلت :
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 461