و تلك الشدة، و ذلك الاضطراب، و
هاتيك الأحوال المظلمة و طول مدتها ادت الى أن: يهرم فيها الكبير، و يشيب الصغير،
و يتعب المؤمن في تمييز الحقائق و تمحيصها و ما يبذله من جهد في سبيل الدفاع عن
الحق حتّى يلقى ربّه.
فرأيت الصبر على هذه الحال و ترك
المقاومة اقرب للعقل، و الصق بنظام الإسلام و احفظ لبيضته سيما و هو بعد غض لم
ترسخ له قدم في نفوس اتباعه، و الثورة في هذه الحال ربما تؤدي الى خلاف الغرض، و
تعكس النتيجة، و ستكون سببا للردة، و الرجوع عن الدين، فترك المقاومة احجى و اضمن
لسلامة الإسلام، و تحمل الشر الحادث من جراء ذلك اهون.
[3] القذى: الرمد. و الشجا: ما اعترض في الحلق من
عظم و نحوه.
أي صبرت و لكن على مضض كما يصبر
الأرمد و هو يحس بوجع العين، و كما يصبر من غص بشيء فهو يكابد الخنق.
كنى عن طباع عمر بن الخطّاب«
بالناحية الخشناء» لأنّه كان يوصف بالجفاوة و سرعة الغضب، و غلظ الكلام، حتى روى
انه امر أن يؤتى بامرأة لحال اقتضت ذلك- و كانت حاملا- فلما دخلت عليه اجهزت جنينا
لما شاهدته من غلظ طبيعة أبي حفص و ظهور القوّة الغضبية على قسمات وجهه و شدته في
الكلام، و ذلك ما اراده أمير المؤمنين من قوله:« في ناحية خشناء» ثم انه( ع) وصف
تلك الطبيعة بوصفين:
أحدهما: غلظ المواجهة بالكلام و
قد قيل: جرح اللسان أشدّ من وخز السّنان.
و ثانيهما: جفاوة المس المانعة من
ميل الطّباع إليه.
فيه إشارة إلى ما كان عليه عمر بن
الخطّاب من التسرع في إصدار الأحكام غير الصائبة كأمره برجم المرأة الحامل و طلاق
الحائض، و غيرها من الأمور التي كانت تدعوه للاعتذار بعد أن يتبين له الخطأ بارشاد
أمير المؤمنين( ع)، و قد تكرر قوله:« لو لا عليّ لهلك عمر» و« لا كنت لمعضلة ليس
لها أبو الحسن» و« لا عشت لمعضلة لا تكون لها يا أبا الحسن».