فَقَدْ قَرَنَهُ، وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَ مَنْ جَزَّأهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَ مَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ، فَقَدْ حَدَّهُ، وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَ مَنْ قالَ «فِيَم» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَ مَنْ قَالَ «عَلامَ؟» فَقَدْ أَخْلى مِنْهُ.
كائِنٌ لاعَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لاعَنْ عَدَمٍ. مَعَ كُلِّ شَيءٍ لا بِمُقارَنَةٍ وَ غَيْرَ كُلِّ شَيءٍ لا بمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكاتِ وَ الآلَةِ، بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحّدٌ إِذْ لا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَ لا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ.
خلق العالم
أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً، وَ ابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلا رَوِيَّةٍ أَجَالَها وَ لا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، وَ لا حَرَكَةٍ أَحْدَثَها، وَ لا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَب فِيها. احَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقاتِها وَ لأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِها وَ غَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَ أَلْزَمَها أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِها، مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَ انْتِهَائِها، عارِفاً بقَرائِنِها، وَ أَحْنَائِها.
ثُمَّ أَنْشَأَ- سُبْحَانَهُ- فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَ شَقَّ الْأرْجَاءِ، وَ سَكائِكَ الْهَواء فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ مُتَراكِماً زَخَّارُهُ. حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرّيحِ الْعَاصِفَةِ وَ الزَغْزَعِ القاصِفَة، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَسَلَّطَها عَلَى شَدّهِ، وَ قَرَنَها إِلَى حَدّهِ. الْهَواءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ وَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفيقٌ. ثُمَّ أَنْشَأ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّها وَ أَدامَ مُرَبَّها، وَ أَعْصَفَ مَجْرَاهَا، وَ أَبْعَدَ مَنْشَأَهَا، فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَ إثَارَةِ مَوْج الْبِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَها بِالْفَضَاءِ. تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ، وَ سَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ.
وَ رَمَى بِالزَّبَدِ رُكامُهُ، فَرَفَعَهُ في هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَ جَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمواتٍ،