responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 98

والسنّة، وهذه النقطة بالذات سببت تكامل فقه أهل البيت وترشيده في مختلف التحوّلات الزمانيّة فكان يملك استجابة مناسبة لحاجات المسلمين في حركة حياتهم الفردية والاجتماعية، فالفقه يتوغّل ويمتدّ إلى جميع زوايا حياة الناس في مختلف الأصناف والشرائح الاجتماعية، واستطاع هذا الفقه أن يمنح الناس إجابات وافية عن أسئلتهم الفقهية من قِبل فقهاء الشيعة. (انظر:

بحث انفتاح باب الاجتهاد).

4. الحريّة والاستقلال‌

إنّ فقهاء الشيعة لم يضعوا فقههم في خدمة حكّام الجور وأصحاب المطامع إطلاقاً، ولم يجعلوا فقه أهل البيت أداة لتبرير أعمال الحكّام الظالمين، كما أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام أيضاً لم يضعوا فقههم وعلومهم في خدمة الظلمة.

***
بعد بيان هذه الأمور، ننطلق لدراسة «مراحل فقه الشيعة» في تاريخ الفكر الإسلامي ونأخذ منها تسع مراحل ونسلّط الضوء عليها [1].

المرحلة الأولى‌: عصر حضور أئمة أهل البيت عليهم السلام‌

لا شكّ في أنّ عصر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يمثّل عصراً مشتركاً لجميع المسلمين حيث يستقون أحكام دينهم منه بدون واسطة، ويعدّ النبي صلى الله عليه و آله المرجع العلمي الوحيد لجميع المسلمين.

وبعد رحلة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ونظراً لتزايد أعداد المسلمين واتّساع البلاد الإسلامية وظهور حوادث ومسائل جديدة، كلّ ذلك يفرز أسئلة جديدة تتطلّب الإجابة عنها، وقد قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قبل ذلك بتعريف أهل البيت عليهم السلام للمسلمين إلى جانب القرآن الكريم من موقع كونهم مرجعاً علمياً بعد رحلته، وقام بهذا الأمر بحكمة وتدبير.

ويعتبر حديث «الثقلين» [2] المتواتر والمشهور دليلًا حيّاً على هذا المطلب وشاهداً على بعد نظر النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله، وقد تحرّك أئمّة أهل البيت عليهم السلام من موقع العمل على تدوين أحكام الشريعة ومعارف الدين وحلّ مشاكل الأُمّة الإسلامية وصيانة الشريعة من عوامل التحريف في كلّ فرصة سنحت لهم.

وقد بدأ هذا التحرّك بعد رحلة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله (عام 11 هجري) وانتهى في بداية الغيبة الصغرى‌ (عام 260 هجري) وبالإمكان استعراض تفاصيل هذه المرحلة في عدّة فصول:

الفصل الأوّل: تدوين الكتاب‌

في الوقت الذي منع فيه الخلفاء بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله الناس من تدوين الأحاديث النبوية بعد رحلة النبيّ قام أميرالمؤمنين وبعض أصحابه وتلاميذه بكتابة وتدوين ما تيسّر لهم منها [3].


[1]. ذكر في كتاب (موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت، ج 1، ص 48) ستّ مراحل لفقه الشيعة، وفي (موسوعة طبقات الفقهاء، ج 2) سبع مراحل؛ ولكن في نظرنا يمكن تقسيمها إلى تسع مراحل بعد تفكيك دقيق لهذه المراحل ومعرفة خصائص كلّ مرحلة منها.

[2]. مرّ ذكر مصادر هذا الحديث فيما سبق.

[3]. بدأت قصة منع تدوين الحديث ونقله منذ زمان الخليفة الأوّل واستمر أكثر من قرن.

روت عائشة أنّ أبي (الخليفة الأول) جمع 500 حديثاً عن رسول اللَّه حيث طلب يوماً تلك الأحاديث وأحرقها جميعاً. (كنزالعمّال، ج 10، ص 285، ح 29460).

وكذلك منع الخليفة الثاني الصحابة من رواية الحديث، بل وسجن جماعة من الصحابة لروايتهم الحديث. (تذكرة الحفّاظ للذهبي، ج 1، ص 7). وكذلك ذكروا أنّ عمر عزم في أول الأمر على كتابة الحديث ثم ندم وترك كتابته وكتب كتاباً إلى عمّاله في البلاد الإسلامية: من كان عنده كتاب في سنّة رسول اللَّه فليمحه. (كنز العمّال، ج 10، ص 292، ح 29476).

واستمر هذا المنع في عهد الخلفاء اللاحقين رغم الاهتمام برواية الأحاديث النبوية في عصر خلافة أميرالمومنين علي عليه السلام ولكن الفرصة لم تكن كافية لإتمام هذا العمل، وهكذا استمر المنع إلى زمن عمر بن عبدالعزيز، الذي كتب إلى أبي‌بكر بن حزم- كما يروي البخاري كتاباً يقول فيه: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي‌بكر بن حزم: أنظر ما كان من حديث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فاكتبه فإنّي خفت دروس العلم وذهاب العلماء! (صحيح البخاري، ج 1، ص 60، باب كيف يقبض العلم، من أبواب كتاب العلم).

ومع هذا الحال واجه تدوين الحديث مرّة أخرى ركوداً بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز إلى زمن خلافة منصور الدوانيقي حيث ذكر السيوطي عن الذهبي: في سنة ثلاث وأربعين ومائة، شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث، الفقه، التفسير، منهم مالك الذي دوّن (الموطأ في المدينة). (تاريخ الخلفاء، ص 301) ونقل (الشيخ خضرى بك أيضاًفي تاريخ التشريع الإسلامي، ص 72- 74، شرحاً حول منع تدوين الحديث).

اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست