والأحكام في مرحلة ما بعد التلمود هم العلماء الكائونيين. فهؤلاء مضافاً إلى تأليفهم لمجموعات من الفتاوى، كانوا أوّل من جمع مجاميع الهلاخات ودوّنوها بشكل وترتيب منطقيّ في إطار نتائج البحوث التلمودية.

ومن أوائل المدوّنات التي تمّ تدوينها بهذا الشكل هو سِفِر هشئيلوت‌ من تأليف «راواحاي كائون» في منتصف القرن الثامن. وقد كان هذا عالماً بارزاً في بابل، وقد أقدم على ترتيب مواضيع هذا الكتاب في 191 مقالًا على أساس أقسام التوراة التي كانت تقرأ في الكنيسة، وسعى لبيان أحكام التوراة بالنظر لما ورد في التلمود والهلاخات الأخرى. وفي هذا الوقت قام يهوداي بن نحمان بتأليف كتاب‌ هلاخوت بسوقوت‌ الذي يعتبر أقدم نموذج كلاسيكي (كتب الهلاخوت) (الهلاخات) وبعد عدّة عقود وفي أوائل القرن التاسع قام ربّي شمعون قايرا بتأليف كتاب آخر هلاخوت جدولوت‌ وسعى فيه لتنظيم أحكام الشريعة اليهودية على أساس موضوعي واتّخاذ الرأي فيها، وفي أوائل القرن الحادي عشر ظهرت لوائح قانونية أيضاً شاملة [1].

الثاني: الفاسي‌

لا شكّ في أنّ أهمّ مرحلة في تدوين القانون في الشريعة اليهودية هي ما يسمّى بعصر ريشونيم (القرن 11- 16). حيث تمّ تدوين أهمّ المدوّنات في دائرة الشريعة اليهودية في هذا العصر. وكانت بداية ظهور المدوّنات، ما كتبه إسحاق (من أهالي فاس في شمال أفريقيا)، المعروف‌ بالفاسي‌. فقد كتب كتابه المعروف وتابع في ترتيبه ما ورد في تبويب التلمود، ولكنّه أحياناً يقوم بحذف الاستدلالات التي تفضي إلى رأي شرعي. و قد طرح الفاسي مقولة أحد العلماء على أساس أنّها المعيار والقاعدة الشرعية للأحكام، (هلاخا/ القاعدة الشرعية). ويبيّن من خلال عدم التفاته إلى الرأي الغالب، أنّه لا علاقة له بالاستماع إلى ذلك الرأي‌ [2].

الثالث: راشي وتوسافوت‌

وقد قام سليمان بن إسحاق المعروف بالراشي في القرن الحادي عشر الميلادي بكتابة شرح على التلمود كان في غاية الأهمّية فيما بعد، وقد كان سليمان بن إسحاق من أهل فرنسا، وكان يعيش في وقت شاعت فيه الدراسات التي تدور حول التلمود بعد الافول الذي حصل في هذا المجال في بابل، وقد صارت شروحه وتوضيحاته التي كان يبيّنها في دروسه أساساً مهمّاً لشرح عظيم للتلمود. «ويبتني شرحه للتلمود على الملاحظات الأولية من آثار مدرسة ربّي جرشوم، والتي تعتبر حصيلة علمه الواسع وفي مختلف الأبعاد في المدوّنات التلمودية، وعمق اطّلاعه على‌ مشاكل تلاميذه الفكرية وبيانه القويّ» [3]. وقد أظهر في هذا الكتاب ماهيّة وكيفية عمل الاستدلالات التلمودية، إنّ كتاب راشي في ذلك الزمان كان كتاباً للتدريس، حيث كان يدرّس إلى جانب التلمود، بحيث كان يتولّى‌ حلّ تعقيدات وأسرار التلمود عملًا، إنّ هذا الكتاب الذي‌

[1]. مباني حقوق اليهود لديويد ام. فلدمن؛ العدالة الجزائية في الديانة اليهودية لحسين السليماني، ص 94 و 95؛.

M. E.," Codification of Law",

EJ.,

v. 5, p. 436.

[2]. مباني حقوق اليهود، ص 95.

[3]. المصدر السابق، ص 96.