responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 530

يصدر منه ردع أو إنكار لها [1].

والجدير بالذكر أنّ الكثير من سلوكيات العقلاء الفعلية، التي ترتدي قوالب جديدة حسب الظاهر، تعود في مضمونها وجوهرها إلى السلوكيات التي كانت متداولة لدى العقلاء في زمن المعصومين ولكن بقوالب أخرى، وفي الواقع أنّ ما وقع مورد إمضاء الشارع هو روح ذلك العمل وجوهره.

5. تصوّر البعض أنّ أهل السنّة يوافقون على هذه المقولة، وهي أنّ بناء العقلاء وسيرتهم في كلّ زمان وما يتّخذونه من قوانين ومقرّرات، ومن القياس والاستحسان والمصالح المرسلة، معتبر وحجّة بالتالي فهو مؤيّد لهذه الاطروحة، ولكنّ هذا التصوّر خاطى‌ء ومجانب للصواب لأنّه: أوّلًا: إنّ هذه الموارد إنّما يقولون باعتبارها وحجّيتها في موارد عدم وجود النصّ، والحال أنّ هؤلاء يدّعون أنّ الأحكام العرفية تجري في جميع الأحكام التي وردت فيها نصوص في الكتاب والسنّة، (سوى العبادات). وعلى هذا الأساس فإنّ نظر فقهاء أهل السنّة يختلف كثيراً عن هذه الرؤية.

ثانياً: إنّ مفهوم اتّباع القياس والاستحسان هو التحرّك في ظلّ الأحكام المنصوصة في الشريعة الإسلامية، أي أن يكون الأصل والأساس في إصدار الحكم هو النصوص الواردة من الشارع المقدّس، بحيث أنّ الأحكام المستنبطة من القياس وأمثاله ينبغي أن تتناغم وتنسجم مع مدلول تلك النصوص، رغم أنّ فقهاء الإمامية ينكرون الرجوع إلى القياس والاستحسان الظني ويرون أنّ القواعد الكلّية والعمومات والإطلاقات الواردة في النصوص الشرعية كافية لتلبية حاجات البشرية والمسائل المستحدثة.

إدّعاء عدم الحاجة للأحكام الشرعية:

ومن هنا يتّضح الجواب عن ادّعاءٍ آخر أيضاً، حيث يقولون، إن هذه الأحكام تتعلّق بزمان لم يصل فيه الإنسان والبشرية إلى مستويات كافية من الرشد العقلي والعاطفي، ولكن في عصرنا الحاضر وصلت البشرية إلى هذه المرتبة ولا حاجة لها بعد ذلك إلى تلك الأحكام، مثل الطفل الذي يصل إلى سنّ البلوغ حيث ينبغي له الاعتماد على نفسه في تدبير أموره وسلوكياته في حركة الحياة.

والجواب عن هذا الادّعاء واضح أيضاً:

أوّلًا: إنّ وجود المدارس والتيّارات الفكرية والحقوقية المختلفة والمتضادّة والتغييرات المستمرّة في الأفكار البشرية فيما يتّصل بالقوانين الموضوعة من قِبلهم؛ يكشف عن أنّ الإنسان لا زال يحتاج إلى عنصر الوحي، وقاصر عن الإحاطة العلمية الكاملة التي تسوّغ له وضع القوانين. إنّ الإنسان المعاصر هو ذلك الإنسان الذي كان يحتاج إلى المرشد الذي يدلّه على الطريق الصحيح ويقدّم له المعونة في سلوكه في خطّ الهداية والصلاح والمسؤولية.

ثانياً: إنّ المقنّنين العقلانيين يقعون في كثير من الموارد تحت طائلة المؤثّرات والجواذب الخارجية والباطنية من عناصر القوّة والتحريك والأهواء، وبالتالي لا يعيشون أجواء هادئة وسليمة لتتحرّك عقولهم في الخطّ السليم والصحيح، والشاهد على ذلك النفوذ الواسع لأصحاب القدرات الكبيرة في عملية وضع القوانين في عصرنا الحاضر فيما يخصّ المنظّمات الدولية.


[1]. انظر: الأصول العامّة للفقه المقارن، ص 198.

اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 530
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست