إلّا بها، فإنّ بني آدم لا تتمّ مصلحتهم إلّابالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض،
ولابدّ عند الاجتماع من رأس، حتّى قال النبيّ صلى الله عليه و آله: «إذا خَرَجَ
ثَلاثَة في سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّروا أحَدَهُم» [1] وقال ابن حزم: «إتفق جميع الفرق الإسلامية على
وجوب الإمامة، أنّ الامّة واجب عليها الإنقياد لإمام عادل ...» [2].
ويتبيّن من خلال التدقيق في هذا الكلام وفي آراء علماء الإسلام أنّه لا أحد
يشككّ في ضرورة تشكيل الحكومة في واقع المجتمع.
الفصل الأوّل: الحكومة في الأديان الألهيّة
إنّ ما يستوحى من آيات القرآن الكريم- التي تعتبر أفضل وأقوى سند تاريخي لاستجلاء
الحقائق التاريخية- أنّ الأنبياء الإلهيين كانوا يهتمّون بشكل خاصّ بالنسبة لتأسيس
الحكومة الإلهيّة، وكانوا جميعاً يتحرّكون من موقع الاعتراض والتصدّي لحكومات
زمانهم وحكّام الجور في عصرهم ويدعون أقوامهم لمواجهة أعمال الظلم والجور التي
كانوا يعيشونها في واقعهم وحياتهم، ويدفعونهم باتّجاه إقامة القسط والعدل في حركة
الحياة، والتي لا تتيسّر بدون إقامة نظام سياسيّ وتشكيل حكومة في ذلك المجتمع.
وبديهي أنّ إقامة «القسط» بواسطة الناس لا يتيسّر إلّا من خلال إقامتهم لنظام
سياسيّ وتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها هذا الأمر، ومن هذا القبيل قوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
بِالْقِسْطِ».[4]
وأمّا علاقة هذه الآية الشريفة بما نحن فيه فهو أنّ هذه الآية تشير إلى أنّ
نصب قيادات الجيش والقائد العسكري إنّما هو من شأن النبيّ في ذلك الزمان، وعلى هذا
الأساس تحرّك الناس على مستوى مطالبة النبيّ بهذا الأمر.