responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 443

والعمل بظنّه فحسب، بل يفتي أيضاً على خلاف ما ورد في النصوص. وبالإمكان استعراض أمثلة متعدّدة لهذا النوع من الاجتهاد، ومن ذلك الفتوى المعروفة لعمر بن الخطّاب بالنسبة للزواج المؤقّت، حيث قال:

«مُتْعَتَانِ كانَتا مُحَلَّلَتَيْنِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأنا احَرِّمُهُما، واعاقِبُ عَلَيهِمَا» [1].

وهذا النوع من الاجتهاد، كالقسم الثاني، غير مقبول في نظر فقهاء الإمامية لأنّ المجتهد لا يحقّ له التحرّك والفتوى على خلاف حكم اللَّه ورسوله، بل يجب عليه السعي للتوصّل إلى الحكم الواقعي المستوحى من النصوص الخاصّة والعامة والقواعد الكلّية.

2. تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد

يرى بعض كبار الفقهاء المعاصرين أنّ للزمان والمكان تأثيراً في عملية الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية، فما هو مرادهم من هذا الكلام؟ وكيف يمكن أن تتغير الأحكام الشرعية بتغيير الأمكنة والأزمنة في حين أنّ الشريعة الإسلامية وضعت لجميع مناحي الحياة وفي جميع الأزمنة والأمكنة؟

وقبل الجواب عن هذا السؤال لابدّ من ذكر نقطة مهمّة وهي أنّ جذور هذا البحث وردت أيضاً في كلمات القدماء والمتأخّرين ولا يعدّ موضوعاً جديداً، وعلى أيّة حال فإنّ هذا الكلام يمكن أن يفسّر بثلاثة تفسيرات بعضها صحيحة والبعض الآخر باطلة:

التفسير الأوّل: إنّ الفقيه يجب أن يكون تابعاً لطبيعة الزمان والمكان، فإذا شاعت في زمان معيّن ظاهرة المصارف الربوية، فعلى الفقيه أن يُجاري واقع هذا الزمان ويفتي بحلّية هذا النوع من الربا، وإذا كان الفقيه يعيش في أجواء ينتشر فيها السفور وتبرّج النساء، فيجب عليه أن يفتي بحلّية هذه الأمور تبعاً لذلك المكان وتلك الأجواء الثقافية والاجتماعية.

على هذا الأساس فإنّ الفقيه تابع للزمان المكان، وبهذه الصورة يكون تأثير الزمان والمكان في عملية الاجتهاد والاستنباط، وبعبارة أخرى يجب التفكير بجدّية في جعل الأحكام الشرعية عرفية.

وهذا المفهوم من تأثير الزمان والمكان مجانب للصواب ولا يقبله أيّ فقيه، وإن وردت مثل هذه الكلمات في كلمات بعض الكتّاب المعاصرين.

التفسير الثاني: إنّ المراد من تأثير الزمان والمكان في الاجتهاد ليس تغيير الحكم بدون تغيير الموضوع، لأنّ‌

«حَلال محمّد حَلال إلى يومِ القِيامةِ وحَرام محمّد حرام إلى يومِ القيامة» [2]

بل المراد من التغيير والتبدّل في الأحكام ما يتّصل بسببها، أي من خلال تغيير وتبدّل موضوعاتها.

وتوضيح ذلك: إنّ كلّ حكم من الأحكام الشرعية يتضمّن ثلاثة أركان: 1. الحكم الشرعيّ 2. متعلّق الحكم 3. موضوع الحكم؛ مثلًا في جملة «يحرم شرب الخمر» فإنّ «الحرمة» هي الحكم الشرعيّ و «الشرب» متعلّق الحكم و «الخمر» موضوع الحكم.

وكذلك في مسألة «يجب تطهير المسجد» فإنّ «الوجوب» حكم شرعي، و «التطهير» متعلّق الحكم، و «المسجد» موضوع الحكم. ولكن أحياناً لا يكون لدينا سوى الحكم الشرعي ومتعلّق الحكم، من قبيل‌


[1]. السنن الكبرى، ج 7، ص 206؛ المغنى لابن قدامة، ج 7، ص 571 و 572؛ الشرح الكبير، ج 7، ص 537؛ بداية المجتهد، ج 2، ص 122 (مع تفاوت يسير).

[2]. انظر: الكافي، ج 1، ص 58، ح 19.

اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 443
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست