responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 388

وببيان آخر: إنّ الفقيه مكلّف بمعرفة موضوعات الأحكام (التي هي بمنزلة علل الأحكام) ويفتي على أساسها وإن كان لا يدرك الحكمة منها.

وقد صرّح بهذه الحقيقة بعض علماء أهل السنّة أيضاً، ومنهم مؤلف كتاب‌ «أصول الفقه الإسلامي» فإنّه بعد التصريح بأنّ:

«إنّ العلماء والمفكّرين متّفقون على أنّ اللَّه تعالى شرّع الأحكام تبعاً لمصالح العباد، وهذه المصلحة تارة تكون من قبيل جلب المنفعة وأخرى لدفع المفسدة والضرر، ولكن الحكمة من جميع الأحكام غير ظاهرة بل تارة تكون خفيّة ولا يدركها عقل الإنسان» يقول:

«فيكون الفرق بين حِكمة الحُكم وعلّته: أنّ الأولى‌ هى السبب الموجب للتّشريع والغاية المقصودة منه، لما تضمّنت من المنفعة الّتي قصد إليها الشارع، وأنّ الثانية أي العلّة هي الأمر الظاهر المنضبط الّذي بُني حكم الأصل عليه وربط به وجوداً وعدماً».

ثمّ يذكر مثالًا لتوضيح الموضوع المذكور آنفاً وهو:

إنّ حكمة القصر في الصلوات الرباعية في السفر هو عامل التسهيل والتخفيف على المسافر بسبب المشقّة التي يواجهها، وهذه الحكمة أمر تقديريّ وغير منضبط بحدود معيّنة، وبالتالي فإنّ الحكم الشرعي لا يدور وجوداً وعدماً مدار هذا الأمر، ولذلك فإنّ الحمّالين الذين يواجهون مشقّة في عملهم في الحضر أكثر من مشقّة السفر لم يسمح لهم الشارع بالقصر في صلاتهم، ولكنّه أذن للمسافر بالقصر وإن كان يعيش الراحة والرفاهية في سفره، لأنّ علّة الحكم «الموضوع» التي هي السفر نفسه، موجودة في هذه المسألة.

وأخيراً يختم كلامه بقوله:

«وخلاصة البحث: أنّ الأحكام الشرعية تدور وجوداً وعدماً مع عللها لا مع حكمتها» [1].

وخلاصة الكلام:

أوّلًا: لا شكّ، في أنّ جميع الأحكام الإلهيّة تابعة للأغراض والأسرار التي تمثّل علّة تشريع تلك الأحكام وهذه المصالح والمفاسد كلّها تعود إلى العباد أنفسهم.

ثانياً: بالرغم من أننا نعلم بقسم مهمّ من فلسفة الأحكام وأغراضها- وإن كان ذلك بواسطة الوحي الإلهي وبواسطة النبيّ صلى الله عليه و آله وأوصيائه عليهم السلام- ولكن لازال قسم آخر منها خافياً علينا.

ثالثاً: إنّ حركة الإنسان على مستوى امتثال الأوامر الإلهيّة والسير في خطّ الطاعة للأحكام الشرعية وإن كانت تشتدّ بمعرفة المكلّف للأغراض والحِكم الكامنة في هذه الأحكام، ولكنّها لا ينبغي أن تتقيّد بها، فنحن يجب علينا امتثال الأوامر الإلهيّة واجتناب النواهي الإلهيّة سواء علمنا بفلسفة الحكم أم لم نعلم، لأنّنا وإن كنّا لا نعلم فلسفتها التفصيلية إلّاأننا نعلم بفلسفتها على نحو الإجمال، لأنّ‌اللَّه الحكيم لايصدر أمراً بدون مصلحة تعود إلى العباد، ولا ينهى عن شي‌ء بدون مسوّغ.

رابعاً: إنّ الأحكام الشرعية تدور حول محور موضوعاتها والتي نعبّر عنها ب «العلّة» لا حول محور الأغراض والغايات، لأنّ هذه الأغراض والغايات التي نعبّر عنها ب «الحكمة» لها طابع غالب ولا تتزامن بشكل دائميّ.

خامساً: إنّنا نملك الحقّ في البحث عن فلسفة الأحكام الشرعية بمقدار طاقتنا وقابليتنا من خلال‌


[1]. أصول الفقه الإسلامي لمحمّد أبوزهرة، ص 323.

اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست