تعاليم مدرسة أهل البيت، وتلقي بهم في طوامير الحجّاج بن يوسف الثقفي‌ [1] وأمثاله، أو تقوم بإعدامهم وقتلهم، ومن هنا فإنّ وجوب حفظ النفس يقتضي أحياناً أن يقوم أئمّة أهل البيت عليهم السلام في حال الإحساس بالخطر الجدّي لبعض الشيعة، إصدار حكم طبقاً للمذهب السنّي الحاكم في ذلك العصر، بدافع التقية، ويوصون بالعمل بهذا الحكم لتحقيق الانسجام مع تلك الأجواء الثقافية والاجتماعية حسب الظاهر. وبالتالي فإنّ الحكومات الجائرة ستتركهم ولا تتعقّبهم. بالرغم من أنّ هذا الحكم مخالف لتعاليم الإمام الواردة عن جدّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّاأنّه يحقّق للمؤمن حفظ نفسه من الوقوع في الهلكة، ومعلوم أنّ حفظ نفس المؤمن أهم عند اللَّه من حفظ حكم شرعي فرعي. وهذه الظاهرة المرّة في التاريخ الإسلامي أدّت إلى صدور روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام من موقع التقية.

ولذلك فإنّ فقهاء الشيعة عندما يواجهون مثل هذه الأحاديث الصادرة بشكل قطعيّ من موقع التقية فإنّهم لا يفتون على أساسها، وإذا حصل لديهم شكّ وتردّد في حديث من الأحاديث فإنّ ذلك يؤدّي غالباً إلى اختلافهم في الفتوى، على سبيل المثال:

استحباب الصوم يوم عاشوراء:

لقد وردت طائفتان من الروايات عن أئمّة أهل‌البيت عليهم السلام بالنسبة لهذا الموضوع. وذهب أكثر القدماء من فقهاء الشيعة إلى ترجيح الروايات التي تدلّ على الاستحباب وأفتوا بذلك، ولكنّ بعض المتأخّرين حملوا هذه الطائفة من الروايات على التقيّة، ولإثبات كونها صادرة من موقع التقية قالوا: بما أنّ فقهاء أهل السنّة يقولون باستحباب الصوم يوم عاشوراء، فإنّ صيام المسلم في هذا اليوم يعدّ علامة على عدم تشيّعه، فالظاهر أنّ هذه الروايات قد صدرت من أئمّة أهل البيت انسجاماً مع فقه أهل السنّة وعلى أساس التقية وضرورة مداراة الشيعة للحكّام من أهل السنّة في ذلك الوقت.

وعلى هذا الأساس فإنّ مبنى الأحاديث التي تدلّ على استحباب صوم يوم عاشوراء الموافق لفقه الحكّام في ذلك العصر، ينبغي حمله على «التقية» وبالتالي فهي غير قابلة للاستناد في إصدار الحكم الشرعي، وأفتى هؤلاء الفقهاء على أساس أحاديث النهي ب «الكراهة» وأحياناً أفتوا بحرمة الصوم في هذا اليوم‌ [2].

العامل الخامس: الإختلاف في نسخ الحكم‌

أحياناً يتّفق فقهاء الإسلام على ورود تشريع معيّن في القرآن أو السنّة، ولكنّهم يختلفون في هل أنّ هذا الحكم الشرعيّ نسخ بنصّ آخر أم لا؟ على سبيل المثال:

بالنسبة لآية الاستمتاع: «... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‌ ...» [3]. فقد ذهب جماعة من علماء أهل السنّة كالشافعي والقرطبي‌ [4] وكذلك يتّفق فقهاء

[1]. تولى الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية العراق وكان عمره 20 عاماً، وقتل 120 ألف إنسان بدون شفقة ورحمة، ومات في سجنه 50 ألف رجل و 30 ألف امرأة. (مآثر الانافة في معالم الخلافة، القلقشندي الشافعي (مؤلّف نهاية الأرب وصبح الأعشى)، وبالطبع أنّ حكّام بني العبّاس لم يكونوا أقلّ فضاعة من حكّام بني‌أميّة في قمع وقتل الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام.

[2]. جواهر الكلام، ج 17، ص 105.

[3]. سورة النساء، الآية 44.

[4]. تفسير القرطبي، ج 5، ص 130.