responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 252

على أساس المصالح والمفاسد، ومن ينكر وجود المصالح والمفاسد في الأحكام الشرعية فهو في الواقع يتحرّك في الخطّ المعاكس للبديهيات. وكذلك نعلم أنّ المصالح والمفاسد الفردية والاجتماعية تتغيّر مع مرور الزمان واختلاف الأمكنة، كما هو الحال في ما نراه في دائرة القوانين البشرية رغم وجود بون شاسع بينهما.

ومن جهة ثالثة، فإنّ الإسلام الذي يملك الشمولية والمرونة والعمق في أحكامه، يستوجب أيضاً أن يلاحظ في مجمل تشريعاته تأثيرات الزمان والمكان في الأحكام، لأنّ الموضوعية والعمق والشمولية تستوجب لحاظ الظروف لآلاف السنين وأشكال التحرّك البشري في سلّم التطوّر الحضاريّ والثقافيّ.

إنّ كلّ هذه المتغيّرات يجب أن تنسجم وتتناسب بشكل معجز مع ثبات أصول الأحكام، التي تتوافق وتتناغم مع الفطرة الإنسانية الثابتة، وهنا يكمُن السرّ الكبير.

إنّ قسماً مهمّاً من هذا (السرّ) قد بُحث في دائرة تأثير عنصر الزمان والمكان في استنباط الأحكام الشرعيّة.

الفصل الأوّل: الزمان و المكان و تأثير هما في عملية الإستنباط

الأمر الأوّل: التعاريف‌

(ما هو المراد من الزمان والمكان والمقصود من تأثيرهما)

إنّ تعريف الزمان والمكان يختلف باختلاف العلوم وينبغي في مجال التعريف أن يلحظ موضوع العلم فيه.

أمّا في اللغة، فإنّ الزمان يأتي بمعنى (الوقت) والمكان بمعنى (الموضوع والمحلّ) [1]، وأمّا على المستوى العلميّ فالزمان عبارة عن مقدار الحركة الوضعية للأرض، حيث يتمّ قياسه بمنتصف النهار، والمكان الهندسيّ هو الشكل الذي تملك جميع نقاطه خاصّية معيّنة، والنقاط الخارجة عنه فاقدة لهذه الخصوصية. وببيان آخر إنّ مجموع النقاط التي تشترك في خصوصية معلومة ومشخّصة يقال عنها (مكان هندسيّ) [2].

وأمّا من زاوية فلسفية، فطبقاً لرأي أكثر الفلاسفة فالزمان أمر واقعيّ وحقيقيّ، وهو عبارة عن مقدار الحركة، وحتّى بالنسبة للمتأخّرين من الفلاسفة الإسلاميين، فالزمان في نظرهم هو البعد الرابع للمادّة [3].

ومع الالتفات إلى هذه التعاريف المذكوة، فلا شكّ في أنّ الزمان والمكان فيما يتعلّق بموضوعنا، لا يقصد بهما الزمان والمكان بمعناهما العلميّ والفلسفيّ، لأنّ الزمان والمكان هما من الأمور التكوينية والخارجة عن ذات الإنسان، ولا شكّ في أنّه لا يمكنها أن تؤثّر في الفتوى وعملية استنباط الأحكام.

وكذلك لابدّ من القول: إنّ الزمان والمكان بالمعنى السائد في العرف، وإن أمكن تأثيرهما في الأحكام والموضوعات والملاكات، وذلك مثلًا أن يؤخذ الزمان أحياناً كشرط للوجوب (حلول شهر رمضان لوجوب الصوم) وأحياناً للواجب (حلول شهر ذي الحجّة لوجوب الحجّ) ولكنّ هذا المعنى للزمان والمكان ليس هو محلّ البحث، بل مرادنا من الزمان والمكان خصوصيات كلّ عنصر وكلّ جوّ ومحيط اجتماعيّ يمكنه أن يؤثّر على الموضوعات والأحكام، أو يكون تأثيره بشكل قرينة حاليّة في مفاهيم النصوص. وببيان‌


[1]. لسان العرب، ج 6، ص 86، مادّة «زمن».

[2]. لغت نامه دهخدا، مادّة «مكان» (بالفارسية).

[3]. نهاية الحكمة، ج 1، ص 273.

اسم الکتاب : موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 1  صفحة : 252
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست