هناك تعاريف مختلفة للإجماع من قِبل أهل السنّة من قبيل: «اتّفاق جميع أفراد
الأُمّة الإسلامية»، [1] «إتّفاق أهل الحلّ والعقد»، [2] و «إتّفاق جميع المجتهدين بعد رحلة النبيّ صلى الله عليه و
آله» [3]، «وإتفاق
مجتهدي عصر معين من أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله بعد رحلته على أمر من أمور
الدين»، [4] «إتّفاق
أهل المدينة»، «أهل مكّة» «أهل الحرمين» [5] و ....
والمهمّ هنا، البحث في دليلهم على حجّية الإجماع، فالسؤال الذي يثار هنا هو
أنّ اتفاق نظر بعض الناس أو جميع المسلمين (على اختلاف التعاريف) كيف يمكنه الكشف
عن الحكم الإلهيّ، وخاصّة وضعه في عرض الكتاب والسنّة وبشكل مستقلّ عنهما؟ بل إنّ
البعض يرى أنّ الإجماع أقوى منهما، وبعبارة أخرى، ما هي الملازمة بين الإجماع
والحكم الإلهيّ؟
هنا ذكر علماء أهل السنّة أدلّة مختلفة على حجّية الإجماع بعنوانه دليلًا
مستقلّاً، وخلاصة ما ذكر هو:
هناك بعض الآيات القرآنية التي تدلّ على حجّية الإجماع، من قبيل الآية 115 من
سورة النساء حيث تقول: «وَمَنْ يُشَاقِقِ
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً».
قالوا: لا شك في أنّ مخالفة النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله لوحدها تستوجب
العقوبة الإلهيّة، وعليه فإنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين لوحده أيضاً يستوجب
العقوبة، وإلّا فلا معنى للجمع بين مخالفةالنبيّ صلى الله عليه و آله ومخالفة
المؤمنين فيالآية [6].
وأحياناً يستدلّون بالآية 59 من سورة النساء التي تقول: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ»[7] ومفهوم هذه الآية أنّه عندما يكون هناك توافق في الرأي ولا يوجد نزاع في
البين فلا يجب الرجوع إلى اللَّه ورسوله، وهذا يعني حجّية الإجماع.
وأحياناً أخرى يستدلّون بالحديث النبويّ المعروف الذي أورده ابن ماجة في سننه،
أنّ النبيّ قال:
«سألتُ اللَّهَ أن لا يَجْمَعَ أمَّتي
على ضَلالَةٍ فأعْطانِيها» [9].
ولكن مخالفي الإجماع على أساس كونه دليلًا مستقلّاً ناقشوا في جميع هذه
الأدلّة، وقالوا: أمّا الآية الأولى فلا تشير إلى أمرين، بل تؤكّد على أنّ اتّباع
غير سبيل المؤمنين إنّما هو تأكيد لمخالفة النبيّ، لا أنّه أمر مستقلّ عن مخالفته،
لأنّ المؤمنين يتحرّكون دائماً في طريق النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله.
(ويستفاد هذا الجواب من كلام الغزالي في
«المستصفى» أيضاً) [10]. مضافاً إلى ذلك، فإنّ المراد من تبعية غير سبيل المؤمنين،
إنكار الإسلام والإيمان، وهذا الأمر لايتعلّق بالمسائل الفردية والفقهية.
ومع غضّ النظر عن جميع ذلك، فإنّ الإجماع إنّما يكون حجّة فيما لو اختار جميع
المسلمين بدون استثناء طريقاً معيّناً، هذا الأمر لا يحلّ مشكلة للفقهاء.